لقاء البابا - السيستاني.. "شظاياه" تصيب لبنان
- 4-03-2021, 15:24
- 2206
رُفعت على مدخل كنيسة سيدة النجاة في بغداد لافتة ضخمة جمعت صورة البابا فرنسيس والمرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني. وحملت قولاً للثاني سبق له ان خاطب به المسيحيين "أنتم منا ونحن جزء منكم"، ويتلاقى مع الشعار الذي رفعه الفاتيكان "كلنا أخوة". يحل البابا في زيارة رسمية في العراق يوم الجمعة المقبل حيث لا تزال الدماء تسيل من اجساد أهله المعذبين وقصص أوجاعهم ونزف موجات المهاجرين الذين اختلط دمهم بمياه دجلة والفرات. وسيحمل الزائر الكبير معه، على عادته، رسائل سلام ومحبة لتقرب المسافات بين الاديان والشعوب، وليقول ان تراب العراق يبقى مختبراً صالحاً للتلاقي والعيش معاً في شرق تهددت خرائط دوله في السنوات الاخيرة. وسيلتقي ممثلين لـكل المكونات الدينية التي تعيش على ارض بلد أنهكته الحروب والانقسامات، ولم يكن ينقصه في العقد الاخير الا تهديد "داعش" وتشكيلة اخرى من الجماعات الارهابية التي فتكت بالمسلمين والمسيحيين ولم توفر حرمة مساجدهم وكنائسهم، فضلاً عند دور عبادة لأديان اخرى من الأيزيديين وغيرهم.
ومن هنا ينتظر العراقيون ضيفهم وهو اول بابا على رأس الكنيسة الكاثوليكية يقصد العراق. وعلى جدول اعماله اكثر من محطة ولقاء وصلاة على مدار أربعة ايام. ويبقى اللقاء الذي سيسرق الاضواء زيارته الى النجف الاشرف السبت المقبل حيث سيصل اليها بالطائرة من بغداد. وسيزور المرجع السيستاني في منزله ويعرّج على مقام الامام علي في المدينة. وسيكون اللقاء الاول والتاريخي بين الرئيس الاول للكنيسة الكاثوليكية في العالم ورأس مرجعية النجف. وستحمل هذه المحطة دلالات عدة عند مشاهدة البابا في المنزل المتواضع الذي يقطنه السيستاني صاحب الدور والتأثير الكبيرين في البيئة العراقية وامتدادهما في العالم. ومعلوم ان السيستاني لا يستقبل الا قلة من الرؤساء والقادة وليس السفراء، لكن في امكان اي مواطن عادي ومن دون حواجز والى أي ديانة انتمى ان يلتقي المرجع ولا سيما عندما تسمح له ظروفه الصحية.
ولم تنقطع قنوات التواصل المفتوحة بين مرجعية النجف ودوائر الفاتيكان. وازداد الاهتمام اكثر بموقع المرجع بعد سطوع نجم "داعش" في العراق والاقليم ودعوة السيستاني الى الجهاد والانخراط في صفوف "الحشد الشعبي" للذود عن كل العراقيين وحماية أرضهم وعدم التمييز بين مسلم ومسيحي. وبقيت ابواب المرجعية مفتوحة امام المسيحيين، ولم تقصر في اغاثة النازحين وسط تركيزها الدائم على العيش معاً مع اتباع سائر الاديان. وكان السيستاني اول المعارضين لهجرة المسيحيين ومغادرة اراضيهم وكنائسهم، مع تكرار دعواته ليبقوا في ارضهم في سهل نينوى ومناطق اخرى، ولطالما كان يدعو الى اختيار العراقي الاكفأ والاصلح من دون النظر الى طائفته او دينه لأنه من المؤمنين بدولة المواطنة والدولة المدنية لا الدينية. وكانت وحدات من "الحشد الشعبي" قد اعادت مجموعات من الصلبان والأجراس الى الكنائس والتي استولت عليها الجماعات التكفيرية. ولن ينسى العراقيون والعالم فتوى المرجع عند مناداته بـ"الواجب الكفائي" للتصدي لـ"داعش" وأخواته وحرص السيستاني على حماية كل العراقيين ومقدساتهم. ويبقى الاهم في مشهد لقاء البابا والسيستاني توجية رسالة الى كل الشيعة في العالم ستكون لها ارتداداتها الايجابية في اكثر من مكان، مع تشديد الفاتيكان على الانفتاح على الجميع في العالم العربي وعدم دخوله في أي من المحاور، وكما مدّ قنوات التلاقي مع مؤسسة الازهر في القاهرة سيفعل الامر نفسه مع النجف.
من جهة أخرى، لن يوقع البابا والسيستاني أي وثيقة بحسب ترجيح سفير العراق في الفاتيكان رحمن فرحان العامري قبل ايام. وجاءت هذه الخلاصة من بنات اجتهاده. ولذلك سارعت المرجعية الى الرد عليه استباقا وتحسبا من الوقوع في اي استنتاجات خاطئة، لأن هذا الطرح لم يكن له اساس من الصحة وأحدث زوبعة في دوائر الخارجية العراقية لانه عند حصول الزيارة وعدم التطرق الى هذه الوثيقة غير الموجودة في الاصل ستكون حصيلتها سلبية. واكتفى مكتب السيستاني بالاشارة الى ان تصريحات العامري"غير دقيقة". ولم يجر بحث هذا الامر مع السفارة البابوية في بغداد. وسيصدر بيان من المرجعية عن مضمون اللقاء بين الشخصيتين. وتحمل زيارة البابا اكثر من عنوان أبرزها حمله رسالة السلام والمسامحة والغفران وتركيزه عليها، فضلاً عن تشديده على المواطنة وضرورة الحفاظ على تنوع الحرية الدينية وعدم النظرة الى المسيحيين وغيرهم من المكونات في العراق من "منظور اقلوي". اما لبنانيا فستكون لهذه الزيارة جملة من الاشارات الايجابية، ولا سيما في هذا التوقيت الذي يشهد بعض التباعد بين المكونات السياسية والدينية، وان لا مفر في النهاية من ولوج طريق الحوار والتلاقي في ما بين اللبنانيين. وسيحدث اللقاء انعكاسة هائلة على العلاقات بين الفاتيكان والنجف على مستوى التبادل والتعاون الثقافي بين الكاثوليك والشيعة في العالم، ويمكن أبناء الطائفتين في لبنان من رجال دين وسياسيين متنورين ان يساهموا في هذا الدور وريادته في المنطقة.