مقدما. برغم أن الرئيس الدكتور برهم صالح يصر على تزكية صديقه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ويؤكد أنه رجل وطني ومخلص وصادق في وعوده للشعب العراقي، وبالرغم أيضا من التفاؤل الذي عم كثيرا من العراقيين بمجيئه إلا أن الواقع المر في العراق يفرض سؤالا ملحا يجب طرحه، ودون مجاملة لأحد، خصوصا في هذه الأيام، وبالتحديد في أعقاب مذبحة الفرحاتية في محافظة صلاح الدين، وحرق مقر الحزب البارزاني، واستمرار الاغتيالات وجرائم الخطف والتغييب، هو هل إن الكاظمي الآتي من جهاز المخابرات عبقري سياسة محنك يعرف ما يريد، ويسعى لتحقيق هدفه بتكتيك وتكنيك وثبات ودراية، وبسياسة الخطوة خطوة، إلى الحد الذي يجعله يتحمل شكوك العراقيين وشتائمهم بحلم وصبر وطول بال، ويضحك في عبّه، ويقول بينه وبين نفسه: انتظروني أيها العراقيون المشككون الشتّامون، فالعبرة بالأواخر.
أم هو ساذج لم يعرف حده ولم يقف عنده، حين قبل بأن يوكل له عبء الرئاسة، وهي في أسوأ أوقاتها وأوضاعها وملفاتها، أحباؤه الإيرانيون وأصحابه الأميركان، وذيولهم أصحاب دكاكين المحاصصة العراقيون، فسمح لهم بأن يُلبسوه ثياب أسد، وهو ذلك الحَمل الوديع الذي لا تساعده عظامه اللينة الطرية على الوقوف على قدمين، ناهيك عن الجري مع رفاقه الحملان؟ الله أعلم.
نعم. لقد فرحنا بمجيئه، وأوشكنا أن نصدق وعوده، ولكنه، يوما بعد يوم، يخيب أحلامنا، ويبرهن على أنه طبعة مكررة من الذين سبقوه في خداع الجماهير وتخديرها وتنويمها على الأمل المفقود.
وتعالوا نتأمل وندقق ونتحاسب. فهو، منذ أن أجلسه الإيرانيون والأميركيون على كرسي صدام حسين وعبد الكريم قاسم ونوري السعيد، لا يتوقف عن تشكيل لجنة وراء لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق بعد كل جريمة قتل أو اغتيال أو خطف أو اغتصاب تحدث في بغداد والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء والديوانية والعمارة وصلاح الدين والموصل وديالى، ثم يسارع، مرفوقا بكاميرات تلفزيون الحكومة، إلى زيارة أسرة هذا الشهيد أو المختطف، ويطمئن كبارها وصغارها، ويُقسم لهم بأغلظ الأيمان على أنه سيأخذ لهم بثأرهم من الجناة، أيا كانوا، وأيا كانت أحزابهم وميليشياتهم.
الكاظمي رسب في الامتحان وأصبح العراقيون المتفائلون به يتناقصون والذين يريدون رحيله يتزايدون، والإيرانيون وذيولهم يفتعلون الجريمة بعد الجريمة لإثبات عجزه ثم لإزاحته عن طريقهم وأصبح بقاؤه مصيبة ورحيله أيضا مصيبة
فمنذ يوم تتويجه ملكا على العراق، في مايو 2020، وهو يحلف على شاشات التلفزيون بالحمزة والعباس وتربة الإمام الحسين على أنه لن يسكت عن المجرمين، وسيلقن الفاسدين والمختلسين وقتلة المتظاهرين دروسا لم يلقها قبلهم إنس ولا جان، ثم لا يفعل شيئا، بل يرتدي ملابس المتهمين بالقتل والاختطاف والاختلاس، ثم يخلع نعليه في حضرة الولي الفقيه في طهران، رغم علمه بأنه صاحب الحول والطول في تسليح العصابات التي يشكو العراقيون من فحشها وجرائمها وفسادها، والوالغ إلى مرفقيه في دماء الملايين من أبناء الطائفة التي يدعي أنه حاميها وحارسها الأمين، فيخاطبه بعبارة “سيدي القائد”، ويظل واقفا أمامه حافي القدمين يستمع إليه وهو يحثّه، بصيغة الآمر الناهي، على مصادقة هذه الدولة ومعاداة تلك، وعلى رعاية هذا الفريق من العراقيين دون ذاك.
لم يفعلها قبله أسلافه السابقون، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، رغم أنهم، جميعا، أسوأ منه وأكثر ولاء وذلا ومهانة.
وحين شكره على مساعدة حرسه الثوري في محاربة داعش في العراق لم يخبره بما فعل السفهاء من الحشديين في المدن المحررة، ولم يُذكّره بعدم وجود فرق بين قاتل يصلي ويداه مسبلتان، وآخر يصلي ويداه معقودتان على صدره.
لم يحقق شيئا ذا قيمة مما وعد به العراقيين. فلم يستعد هيبة الدولة وسلطة القانون، ولم يحاسب سلفه عادل عبدالمهدي ووزراءه على فشلهم وفسادهم وإهدارهم أموال الميزانية السابقة وتسببهم بإفلاس الدولة، ولم يقم بتفكيك الحشد الشعبي، أو على الأقل بسحب سلاحه المنفلت، ولم يحصر السلاح بأجهزة الدولة، ولم يحاكم نوري المالكي وولده وأصهاره، ولم يستطع أن يعيد إلى خزينة الدولة ولو دولارا واحدا من الأموال المسروقة في الداخل، أو المهربة إلى طهران وبيروت ودبي وعمان ولندن، ولم يفكّ ارتباطه بإيران ولا بأميركا، ولم يبسط يد الدولة على المعابر، ولم يسترجع الكرامة والعدالة والسيادة، بعد طول غياب.
والذي زاد حظّه سوءا على سوء وضاعف خيبة أمل العراقيين فيه أن المصائب تكاثرت في عهده، حتى وصلت حدا لا هو، ولا الأقوى منه، يستطيع درءها وتخفيف أعبائها. فسخونة الصراع الإيراني الأميركي حول النفوذ على الاقتصاد العراقي، وخاصة في مجال الطاقة، تصبح أكثر سخونة، ومعدلات التضخم المالي تتزايد، والديْن الوطني يتجاوز حاجز الـ120 مليار دولار، وهو ما يعادل 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى أن أعداد حالات الإصابة والوفاة بكورونا تضاعفت بسبب التجمعات الطائفية التي ترعاها الفصائل التي لا يستطيع ضبطها والإمساك بقيادها، الأمر الذي ألحق بالاقتصاد المتهالك أصلا ضررا كبيرا بالتزامن مع الانخفاض الحاد في الطلب العالمي على النفط الذي خفض الواردات من الصناعة النفطية إلى النصف.
والمشكلة الآن هي أنه رسب في الامتحان، وأصبح العراقيون المتفائلون به يتناقصون، والذين يريدون رحيله يتزايدون. ولكن الإيرانيين، أيضا، وذيولهم يريدون ذلك، ويفتعلون الجريمة بعد الجريمة لإثبات عجزه، ثم لإزاحته عن طريقهم، وإخلاء الساحة منه ومن مريديه الأميركيين، فتنفرد عصاباتهم بالعراق وأهله، والله وحده بعد ذلك يعلم بما سيكون.
بعبارة مختصرة. إن بقاءه مصيبة، ورحيله مصيبة أيضا. وهذه هي المشكلة.