أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب، في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي، مقتل زعيم تنظيم داعش "أبو بكر البغدادي" في غارة جوية، نفذتها القوات الخاصة الأميركية في شمال غربي سوريا.
وبحلول يوم غد الثلاثاء (27 تشرين الاول 2020) يكون قد مر عام كامل على مقتل البغدادي الذي أعتلى منبر مسجد النوري في مدينة الموصل، بعد سيطرة داعش عليها عام 2014، وأعلن نفسه "أميرا للمؤمنين".
لايزال التنظيم المتشدد يشكل أحد أكبر الأخطار العالمية، وخاصة بعد انشغال الكثير من دول العالم بمشاكلها الداخلية الناجمة عن مكافحة جائحة كورونا.
ويرى مستشار التحالف الدولي لمحاربة داعش، كاظم الوائلي، أن "التنظيم تشظى بعد مقتل البغدادي"، مشيراً إلى أن "هذه التنظيمات الجهادية تعتمد في تماسكها على شخصية المؤسس وعند مقتله، لا ينتهي التنظيم ولكن يقل ترابطه، مثلما حدث مع تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه أسامه بن لادن".
وقال الوائلي في تصريحات لقناة الحرة، تابعها موقع IQ NEWS، إن "تنظيم داعش بعد خسارته للأرض التي سيطر عليها في العراق وسوريا وخسارته للخلافة المزعومة، كان أمله وقوته في اعتماده على شخصية القائد وهو أبو بكر البغدادي"، مؤكدا أنه "بعد مقتل البغدادي انتهت أسطورة تنظيم داعش بسبب ارتباط التنظيم بمؤسسه".
وأشار إلى أن "التنظيم قد ينفذ عمليات جهادية وانتحارية في أماكن مختلفة، لكن لن يستطيع السيطرة على مساحات شاسعة مثل في، مؤكدا أن "حلم الخلافة انتهى".
ومن جانبه، يقول الكاتب الأردني حسن أبو هنية، المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن "التنظيم نجح في تفادى أزمة مقتل البغدادي، واستطاع الانتقال لقيادة جديدة، مشيرا إلى أنه لم يتم إلحاق هزيمة كاملة بالتنظيم".
وأضاف أبو هنية، أن "التنظيم تخطى مرحلة السيطرة على الأرض وفكرة الخلافة، وعاد مرة أخرى إلى حالة المنظمة تعمل بشكل لامركزي، تلائم حرب العصابات".
وتابع، "خلال الفترة الماضية شاهدنا تنامي نسق العمليات في عمليات التنظيم في العراق وسوريا في جنوب شرق آسيا"، وتابع "نرى عودة لتنظيم بغض النظر عن شكل هذه العودة لكن هناك تصاعد في العمليات".
بينما يرى روبرت ريتشر، نائب مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، أن "داعش لم ينته"، حسبما نقلت عنه صحيفة واشنطن بوست.
وأضاف، " لقد دمرنا دولة خلافة داعش، لكنها ظهرت الآن في أماكن عديدة، في غضون ذلك، لم يعد التحالف العالمي لمحاربة تنظيم الدولة موجودًا بالفعل".
وبحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، فقد تنامت الهجمات الإرهابية للتنظيم منذ بداية عام 2020، وبلغت نحو 566 في الربع الأول من عام 2020 وحده، كما يحاول التنظيم انتهاز الفرص الناجمة عن القتال بين المعارضة وقوات النظام ومكافحة فيروس كورونا، لشن هجمات انتقامية ضد القيادات المحلية، ومهاجمة خطوط إمداد النفط والغاز، والهجوم على المواكب، واختطاف الرهائن للحصول على فدية.
وقد مكّن التكتيك الأخير قيام التنظيم بالمطالبة بتبادل الأسرى وجمع المعلومات الاستخبارية عبر استجواب الرهائن.
بحسب تقديرات الأمم المتحدة في آب الماضي، يصل أعداد مقاتلي تنظيم داعش حاليا نحو 10 آلاف، ينتشرون في العراق في أماكن متفرقة تسمى "مثلثات الموت"، وينتظرون حدوث فوضى في البلاد لإعادة نشاطهم.
وأكد فلاديمير فورونكوف، مسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، أن "مقاتلي التنظيم مازالوا نشطين في العراق، وأن هجماتهم زادت بشكل كبير هذا العام، وأخبر مجلس الأمن، أن مقاتلي داعش يتحركون بحرية في خلايا صغيرة بين العراق وسوريا، وأنه أعاد تنظيم صفوفه وزاد نشاطه ليس فقط في مناطق الصراع مثل العراق وسوريا ولكن أيضاً في بعض الفروع الإقليمية".
ومنذ بداية هذا العام، تنامى تهديد التنظيم في مناطق الصراع، كما يتضح من إعادة تجميع وتزايد نشاط داعش وبعض الخلايا التابعة له في العراق وسوريا، أما في المناطق التي لا تشهد نزاعات، فيبدو أن التهديد قد انخفض على المدى القصير، تزامنا مع إجراءات الإغلاق والقيود التي فرضها تفشي وباء كورونا، وفقا للأمم المتحدة.
وحذرت الأمم المتحدة من أن التهديد العالمي الذي يشكله داعش من المرجح أن يزداد إذا فشل المجتمع الدولي في مواجهة هذا التحدي.
بدوره، يرى تشارلي وينتر، الباحث البارز في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كولدج البريطانية، أن "داعش استعاض عن سياسة المواجهة المباشرة والسيطرة على الأراضي، بمهاجمة أعداد كبيرة من الجنود باستخدام أسلحة من عيار مماثل أو أكبر.. وهم بذلك أظهروا قدرة جيدة على المناورة".
وذكر تقرير لمعهد واشنطن، أن "التنظيم يحتفظ بآلاف الكهوف والمخابئ التي تحتوي على المعدات والأسلحة والذخائر والمتفجرات ومعدات أخرى، وأضاف أن التنظيم يعتمد على "استراتيجية التغلب الريفية" في عدة مناطق من البلاد، محاولاً إنشاء معاقل ومناطق محظورة في المناطق الريفية يصعب كثيراً على الحكومة المركزية الوصول إليها، ويتوجّه التنظيم إلى المناطق التي تضم أقل عدد من السكان في البلاد، ويعمل على إخلائها أكثر من سكانها".
بحسب الاستخبارات الأميركية والعراقية، فإن قائد داعش الجديد هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي وهو "أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى" من مواليد الموصل عام 1976، لعائلة تركمانية سكنت بلدة تلعفر التي تقع في شمال غرب العراق، كما أنه حاصل على شهادة في الشريعة الإسلامية من جامعة الموصل، ولعب دورا بارزا في عملية استعباد الأزيديات.
وذكرت التقارير الاستخباراتية أن التنظيم أعاد تشكيل هيئته، بعد مقتل البغدادي وأغلب قيادته على يد قوات التحالف، وأصبح يتكون من 14 ولاية و5 دواوين "وزارات" وإدارة واحدة مسؤولة عن إدارة الولايات خارج سوريا والعراق، كما ألغى التنظيم الإدارات المسؤولة عن الحسبة والكهرباء بعد خسارته جميع الأراضي.
وتحت المولى، توجد لجنتان علويتان هما: الشورى بقيادة حجي جمعة عواد البدري، شقيق البغدادي، وتتكون من 5 أشخاص، مهمتها رسم السياسات واختيار مديري الولايات.
أما اللجنة الثانية فهي "اللجنة المفوضة" وهي أعلى لجنة تنفيذية في التنظيم، ويقودها سامي جاسم الجبوري، وكل عضو في هذه اللجنة مسؤول عن جانب تنفيذي مثل الأمن والإعلام والتمويل.
وأشارت التقارير إلى أنه بعد خسارة التنظيم لجميع الأراضي التي سيطر عليها، أعطى صلاحيات أكبر للمسؤولين في اللجنة المفوضة دون العودة للقيادة المركزية.
يأتي تحت هذه اللجنة طبقة قيادية أخرى، من أبرزها المدير العام أبو الحارث العراقي، وهو المسؤول عن إدارة المالية وتجهيز الميزانيات، وأبو حمزة المهاجر، المتحدث باسم التنظيم، وحسن جمعة أبو الوليد، المسؤول عن أمن التنظيم، وعبدالله فتحي، المسؤول عن الأمور العسكرية، وجبار سلمان العيسوي، والي العراق والذي يشرف على مديري الولايات.
أما بالنسبة لتمويل التنظيم، فقد حذر مسؤولون أمنيون أميركيون وغربيون، من قدرة تنظيم داعش على العودة مرة ثانية، رغم الهزائم التي تعرض لها، بسبب الاحتياطيات المالية والإيرادات التي لازال يحتفظ بها، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وأكدوا لتنظيم مجموعة من الشركات والأصول تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتقدر وزارة الخزانة الأميركية أن احتياطيات التنظيم قد تصل إلى 300 مليون دولار، بينما أعلنت الأمم المتحدة أنها تقدر بـ 100 مليون دولار على الأقل.
في 31 تشرين الأول 2019، أعلن التنظيم في بيان له عبر الوكالة التابعة له "أعماق" تعيين أبي إبراهيم الهاشمي القرشي "خليفة له".
وكان أبو إبراهيم قاضيا في تنظيم القاعدة في العراق، وتم القبض عليه في عام 2008، قبل أن يتم الإفراج عنه، وخلال فترة سجنه، قدم معلومات استخباراتية إلى القوات الأميركية، سهلت القبض على عشرات من أعضاء تنظيم القاعدة، وفقا لوثائق نشرها مركز مكافحة الإرهاب الدولي بالأكاديمية العسكرية الأميركية "ويست بوينت" الشهر الماضي.
وذكر الوائلي أن القائد الجديد لم يستطع إعادة تنظيم داعش والحفاظ على تماسك التنظيم، لأنه ليس قائدا فعليا أو قائدا ميدانيا، لكنه قائد عقائدي مختص بتعبئة المقاتلين دينيا.
أضاف الوائلي أن مثل هذه التنظيمات تشترط عروبة القائد، في حين أن المولى ليس عربيا بل تركمانيا، مما أضعف من قوته وسلطته.
وأضاف أن مهمته صعبة لأنه لا يملك أرضا لنشر قوته وسلطته كما كان يفعل البغدادي، الذي أعلن النصر باحتلال المدن الكبرى مثل الرقة والموصل والأنبار.
وخلال الشهور الماضية، تزايدت المخاوف من عودة التنظيم مرة أخرى وتكرار سيناريو 2014، خاصة مع إعلان قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة، سحب أغلب قواتها من العراق وسوريا، بعد تفشي فيروس كورونا، وزيادة هجمات الميليشيات الموالية لإيران على قواعد التحالف.
ومنذ شهر آذار الماضي، سلمت قوات التحالف 8 قواعد عسكرية للقوات العراقية آخرها قاعدة التاجي، كما أعلنت الولايات المتحدة خفض قواتها في بغداد من 5000 إلى 3000 فقط.
ورأى الوائلي أنه بالرغم من انسحاب بعض قوات التحالف وانهاء مهمته، إضافة للظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فالتنظيم ليس لديه القدرة على العودة كما كان في 2014، بسبب الجهود العالمية المفروضة لمكافحة نشاطه على شبكة الإنترنت، وبالتالي تقليل قدرته على التجنيد.
كما أكد أن القوات العراقية البرية قادرة على السيطرة على الأرض ومحاربة التنظيم، لكن لا تستطيع تحقيق ذلك بدون الدعم اللوجستي والاستخباراتي والجوي من قوات التحالف.
وأشار إلى أن تنظيم داعش لم يعد يمتلك جيشا كما كان في 2014، موضحا أنه لم يعد يمتلك سوى 10 % من قوته وأفراده متفرقين في كل مكان، ولم يعد لديه القدرة لإسقاط مدينة كاملة أو قرية كاملة، مؤكدا أن معقل داعش في سوريا أصبح تحت سيطرة القوات الكردية "قسد"، وفي العراق تحت قبضة الجيش.
بينما يعتقد أبو هنية أن انسحاب قوات التحالف ولا سيما الأميركية، سيترك فراغا كبيرا، وسيساعد التنظيم على التحرك بسهولة، وأكد أن القوات المحلية في العراق وسوريا غير مؤهلة للتصدي لداعش لوحدها في ضوء جميع التقييمات العسكرية، وأشار إلى أن هذه القوات مرهقة وأن الحرب على داعش هي حرب عصابات والقوات المحلية ليس لديها هذه الخبرة والكفاءة.
وبالرغم من الضربات الموجعة والقاسية التي تلقاها التنظيم في سوريا والعراق، إلا أن قوته ازدادت في غرب إفريقيا، وسيطر على مساحات واسعة من دول النيجر وسيراليون ومالي، وبوركينا فاسو.
وأظهرت دراسة نشرت في مجلة "CTC Sentinel" أن الأشهر الـ18 التي انقضت منذ سقوط آخر معقل لداعش في سوريا، شهدت نموا لفروع التنظيم في أفريقيا وتحقيق مكاسب هائلة في السيطرة على الأراضي وجذب مزيد من المجندين، بالإضافة إلى تطور ملحوظ في قوتها النارية.
وبحسب تقديرات الأمم يبلغ عدد مقاتلي التنظيم في منطقة غرب أفريقيا نحو 3500 عنصر، بينما تقدر عددهم في ليبيا بالمئات.