متابعة - IQ
عندما رأت ديسري بيثر صورة زوجها المهندس الأسترالي، لأول مرة منذ 17 شهراً، هرعت إلى الحمام وتقيأت.
وقالت ديسري لبي بي سي: "يبدو كأنه قد مات بالفعل، صورته تطاردني كلما اغمض عيني".
وتوضح: "لم يعد هناك روبرت الضخم صاحب الصحة الجيدة، بعد أن اعتقل وسُجن في العراق منذ العام الماضي" بحسب وصفها.
فقد بيثر 40 كيلوغراماً من وزنه، أي ثلث وزنه، ويبدو الآن ضعيفاً وهشاً و "انضمحلت كل عضلاته".
وتقول الزوجة: "ثمة شامات جديدة ظهرت على بشرته وجلده وهو ما يثير القلق، لقد نجا زوجي من سرطان الجلد في السابق، كما أن هناك هالات سوداء واسعة حول عينيه اللتين اصبحتا مثل مستنقعين".
رهينة بسبب خلاف حول عقد مقاولات
قالت الأمم المتحدة إن بيثر محتجز قسراً. عمل المهندس الميكانيكي في الشرق الأوسط لما يقرب من عقد من الزمان قبل أن يُكلف بإدارة مشروع إعادة بناء مقر البنك المركزي العراقي الضخم في بغداد في عام 2015.
ومع اقتراب نهاية المشروع، برز نزاع بين البنك والشركة الهندسية التي يعمل فيها بيثر هوي " CME Consulting" التي تتخذ من دبي مقراً لها. لم تتحدث الشركة علناً عن هذه المسألة.
لكن البنك يقول إن بيثر، الذي كان يدير المشروع ونائبه المصري، خالد رضوان، تآمرا مع الشركة لحجب الأموال المستحقة للجهات الأخرى التي عملت في المشروع.
لكن محامو الدفاع عنهما يقولون إنهما "رهائن خلاف عقد مقاولات".
وقالت الأمم المتحدة إنهما "استُدرجا" إلى العراق بحجج كاذبة في نيسان 2021.
وقال فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي في تقرير له صدر في آذار، أن ذلك كان بداية محنة تتعارض مع القانون الدولي ويمكن أن ترقى إلى مستوى التعذيب. وقيل إن كل من بيثر ورضوان قد اختفيا بشكل قسري لعدة أيام.
وقال مصدر للأمم المتحدة إن بيثر احتُجز في زنزانة مساحتها مترين مربعين، مع عدم إمكانية الوصول إلى العالم الخارجي أو الحصول على كمية كافية من الماء.
مكث بيثر في العراق 12 يوماً. وقال التقرير إنه في خلال تلك الفترة كان بيثر معصوب العينين وخضع لجلسات استجواب "تعسفية وقسرية" وجالوا به على غرف التعذيب.
وأشار التقرير إلى أن بيثر لا يمكنه التحدث عما جرى له في الأسبوعين الأولين من اعتقاله.
خلال تلك الفترة فقد بيثر 15 كيلوغراماً من وزنه وعانى من الجفاف والتهاب حاد في كليتيه والمثانة، وبدأ يعاني من الهذيان وفقدان الوعي.
وبعد مرور 26 يوماً تمكن مسؤولون من القنصلية الاسترالية من الوصول إليه. كان يشعر بالضعف والاضطراب في آن واحد وفقاً للتقرير.
أحالت مجموعة العمل القضية إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب للتحقيق في هذه القضية.
محاكمة سريعة
تم احتجاز بيثر ورضوان لأكثر من خمسة أشهر قبل أن يُتهما بالاحتيال المالي ولا تتوفر معلومات واضحة حول الدعوى المرفوعة ضد الرجلين .
تقول زوجة بيثر: "اعتقدنا أنه بمجرد تقديم الادلة للسلطات العراقية سيدرك الجانب العراقي الخطأ الذي وقع فيه وسيعتذر عن اعتقال الرجلين".
لكن جرت محاكمتهما في آب من العام الماضي على وجه السرعة، حيث نظر القاضي في الدعوى لمدة 15 دقيقة فقط وحكم عليهما بدفع غرامة قدرها 12 مليون دولار، وسجن كل واحد منهما لمدة خمس سنوات.
وبعد رد دعوى الاستئناف، طلب محامو الرجلين إعادة المحاكمة بعد تقديم أدلة جديدة بشكل رسمي.
ولأسابيع، كانت اسرتا الرجلين تنتظران بقلق قرار إعادة المحاكمة.
لكن تفاؤل الزوجة بإطلاق سراح زوجها، بدأ يتراجع رويداً رويداً، حتى بعد تنفيذ عقوبة السجن في عام 2026.
رفعت المحكمة مؤخراً مبلغ الغرامة على الرجلين بمقدار 20 مليون دولار، وهو مبلغ لن يتمكنوا من دفعه على الإطلاق على حد قول الزوجة بيثر.
ووجدت الأمم المتحدة أن كل من بيثر ورضوان قد حرما من الإجراءات القانونية المناسبة، وأن الأدلة المستخدمة ضدهما "تم الحصول عليها بشكل غير سليم" وأن ادعاءات "التواطؤ" بين القاضي ومحامي البنك ذات مصداقية.
"مخاوف جدية"
وتقول عائلته إنه مع استمرار هذه المحنة تتدهور صحة بيثر أكثر فأكثر. في الأشهر الأخيرة، كتب طبيبه إلى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبينيزي وموظفي السفارة، طالباً اتخاذ إجراء ما لمساعدتهما.
وقال الطبيب إن الزيادة "الهائلة" في عدد الشامات المنتشرة على جسده والتي تغير شكل بعضها بشكل كبير هي مؤشر قوي "ينذر بالخطر" على عودة سرطان الجلد إليه.
واضاف أن بيثر يحتاج إلى رعاية عاجلة في المستشفى وليس السجن مع 21 نزيل آخر في زنزانة "قذرة" وهو مريض.
"إذا لم يتم منحه هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان دون تأخير، أخشى أن يعود بيثر إلى أستراليا في أقرب وقت جثة هامدة".
لكن الحكومة العراقية نفت مزاعم سوء المعاملة ووصفتها بأنها ادعاءات لا أساس لها.
وقال المتحدث باسم وزارة العدل العراقية، أحمد اللعيبي، لصحيفة "ذا ناشيونال" التي تتخذ من دبي مقراً لها: "إنه في حالة جيدة ويتلقى الرعاية الطبية المناسبة التي يحتاجها".
وأعرب المسؤولون الأستراليون عن "قلقهم الشديد" بشأن وضع بيثر، قائلين إنهم يعملون لضمان حصوله على العلاج المناسب.
وقال متحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية والتجارة في بيان له: "تواصل الحكومة الأسترالية الدفاع عن بيثر بأقوى العبارات الممكنة وعلى أعلى المستويات".
كانت الحكومة الأسترالية السابقة التي خسرت الانتخابات في أيار قد حثت العراق على تسوية النزاع مع صاحب الشركة التي يعمل فيها بيثر في محكمة مدنية عراقية، مؤكدة أنها لا تستطيع التدخل في الأمور القانونية في الخارج.
في حزيران، أثار ألبينيزي قضية بيثر مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
لكن زوجة بيثر تقول إنها تشعر أن المسؤولين الأستراليين لا يدركون حراجة وضعه ولا يفعلون ما يكفي.
"لا أعرف ماذا أفعل غير ذلك. هل أقيد نفسي بسلالم السفارة؟".
"كل هؤلاء الأشخاص عليهم فعل الشيء الصحيح قبل أن يتصلوا بي ويقولوا، نحن آسفون لفقدان زوجك".
المصدر :BBC عربي