في مستشفى شهداء الأقصى، نفدت أكفان الموتى، وأي مواد قد تستخدم للتكفين.
تكدست الجثث في الخارج، حيث تقام صلاة الجنازة، ولا تسمع سوى أصوات بكاء أقارب القتلى وهم يتمرغون في التراب أسىً وألماً.
أما داخل المستشفى، فيسعى الأطباء إلى علاج الجرحى وإنقاذ الذين يعانون إصابات خطيرة. ولكن مخزون الأدوية والأدوات الطبية في تناقص يوما بعد آخر.
يقول أحد العاملين في المستشفى: "نحن هنا منذ الفجر، وجثث قتلى الغارات الإسرائيلية تتوالى إلى أن ملأت باحة المستشفى بالكامل، بالإضافة إلى الجثث الموجودة أصلا في الثلاجات، وقد امتلأت هي الأخرى داخل مبنى المستشفى وخارجه".
"ليس لدينا ما يكفي من الأكفان، لأن عدد القتلى مهول، وكل الجثث تصل أشلاء ومهشمة، لا يمكننا تحديد هوية القتيل لأن الجثث مشوهة ولايمكن التعرف عليها".
ويصف الرجل الوضع بأنه "لا يحتمل"، مضيفا: "على الرغم من كل ما مر بنا في السابق، فإن ما نراه اليوم فاق كل تصور".
وتشهد المستشفيات الأخرى أوضاعا مشابهة، لأن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة متواصلة للأسبوع الثالث، منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وفي مستشفى القدس بمنطقة تل الهوا في مدينة غزة، سقطت القنابل الإسرائيلية على مجموعة من المباني القريبة، بينما كان فريق من 23 طبيباً وممرضاً يسهرون على علاج 500 جريح، وفق رسالة وصلت لبي بي سي من أحد الأطباء.
وقال طبيب، لم يكشف عن هويته خوفاً على سلامته، في رسالة صوتية، إن المدنيين الذين لجأوا إلى المستشفى يعيشون في "رعب دائم".
وفي خضم الظروف، التي يتم وصفها على أنها "كارثية"، يحتار الأطباء في أن يقرروا من يعالجون أولاً، فيما ينتظر البقية دورهم في الطابور.
وأرسل الطبيب مادز جيلبيرت، من فريق طب الطوارئ في لجنة المساعدة النرويجية، رسالة صوتية، يقول فيها: إن الكثير من الجرحى ينتظرون العمليات الجراحية منذ أيام.
وتناقص عدد الأطباء لأن بعضهم قتل في الغارات الإسرائيلية، والآخرون لم يستطيعوا الوصول إلى المراكز الصحية، فيما يوجد 1200 شخص في مبنى واحد، رحلوا من منازلهم ولجأوا إلى المستشفى.
ويقول الطبيب: "لدينا 120 شخصاً إصاباتهم خطيرة، و10 مرضى بجهاز التنفس الاصطناعي، فضلا عن 400 من ذوي الأمراض المزمنة".
وكرر الجيش الإسرائيلي تحذيراته إلى جميع من يوجد شمالي القطاع بالتوجه إلى جنوب وادي غزة، "من أجل سلامتهم"، وتقع مدينة غزة إلى الشمال من وادي غزة، وعلى جنوبه تقع مدينة دير البلح.
وقد نزح مئات الآلاف من الأشخاص إلى جنوبي غزة، ولكن آلافاً آخرين بقوا في منازلهم في الشمال.
وتعاني المستشفيات في غزة من حاجة ماسة إلى المعدات الطبية. وتمكنت أخيرا ثلاث شحنات صغيرة من دخول القطاع. ويشير متحدث باسم منظمة مساعدة فلسطين، إلى أن 500 شاحنة مساعدات كانت تدخل غزة يومياً، قبل الحرب.
وعلى الرغم من دخول بعض الأغذية والمعدات الطبية، فإن الوقود لم يجد طريقه إلى غزة منذ اندلاع الحرب. وتعتمد المستشفيات على المولدات في توفير الطاقة لأجهزتها.
ونبهت اليونيسيف مؤخراً إلى أن 120 رضيعا في حاضنات، بينهم 70 من المواليد الخدج، يتنفسون اصطناعيا، ترتهن حياتهم بمولدات احتياطية تم تشغيلها بعد أن قطعت إسرائيل الكهرباء عن غزة.
ويدعي مسؤولون عسكريون إسرائيليون أن حماس تدخر الوقود للاستعمال العسكري ولا تتيحه للاستعمال المدني.
وتقول فخر شلتوت، مديرة المنظمة الخيرية "مساعدات طبية لفلسطين" إن بعض الأطفال (جُدد) ولدوا أثناء المعارك الأخيرة".
وتضيف في حديث لبي بي سي: "هناك مولود جديد عمره 32 أسبوعا أنقذه الأطباء، في حين قتلت أمه في غارة جوية إسرائيلية، وهو الناجي الوحيد، بعدما قتل جميع أفراد عائلته الآخرين".
وتقول إن الموت محتم بالنسبة له وللأطفال الآخرين معه في حال توقفت مولدات الكهرباء، واستمرار انعدام الوقود اللازم لتشغيلها.
المصدر: بي بي سي عربي