اعترفت صحيفة “نيويورك تايمز” بنشرها قصة عن كندي زعم أنه عمل سيافا في تنظيم داعش، لم تكن صحيحة بل مزورة رغم قوة الحجة فيها.
وبعد مراجعة ما نشرته في بودكاست عن السياف المزعوم لم تجد ما يثبتها. وفي تقرير مشترك لمراسليها مارك مازيتي وإيان أوستن وغراهام باولي ومالاتشي براون قالوا إن السياف المزعوم وصف وبتفصيل كيف أطلق النار على رأس رجل وطعن آخر في قلبه قبل أن يعلق الجثتين على صليب. وتحدث عن انضمامه للشرطة الدينية في تنظيم داعش في سوريا وكيف نقل إلى جلسات تدريب لمهاجمة الغرب بما في ذلك أمريكا الشمالية، وطنه.
واستعاد كيف استعرض قادة تنظيم داعش خرائط وتعليمات مشفرة حول كيفية ضرب أهداف مهمة في الغرب والدخول إلى مناطق محظورة وقتل الناس على أمل تحقيق الشهادة. وقال: “لقد تخيلوا أمرا كبيرا كـ 9/11″ و”كانوا يريدون التفوق على القاعدة وترك بصمتهم”.
لكن رواية شيروز تشاودري، العنصر الرئيسي في بودكاست “الخلافة” الذي بث عام 2018، هي عبارة عن خرافات ونسج قصص جهادية عن قتل من أجل تنظيم داعش في سوريا. وهو ما كشف عنه مسؤولو المخابرات الأمريكيون والكنديون. ولم يكن تشاودري إرهابيا وبالتأكيد لم يصل أبدا إلى سوريا ولفق الحكايات حول عمله كسياف في تنظيم داعش على طريقة الحكاية الخيالية لهروب وولتر ميتي، للهرب من حياته الرتيبة في تورنتو ولاهور حيث قضى فترة مع جديه.
وأثارت القصة التي كشفها لنيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام حالة من الغضب في كندا. واحتوت السلسلة المسجلة “الخلافة” لملايين المستمعين على مغامراته مع تنظيم داعش مما أثار الغضب حول سماح حكومة جاستن ترودو للسفاح المزعوم العيش حرا طليقا في تورنتو وبعد اعترافه علنا بجرائمه التي ارتكبها في سوريا. ووضعته قصصه المفبركة أمام مخاطر قانونية، ففي أيلول أعلنت السلطات الكندية عن اتهامات له باقتراف “خدعة إرهابية” وهي جريمة يمكن أن يحكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام لو أدين بها.
وتقول الصحيفة إن متابعة المقاتلين الذين سافروا إلى سوريا من أنحاء العالم مهمة صعبة. إلا أن مسؤولين أمريكيين أخبرا الصحيفة قبل بث “الخلافة” أن تشاودري انضم بالتأكيد لتنظيم داعش في سوريا. فيما قال آخرون ممن عرفوه أو نصحوه إنه وبدون شك يحمل مواقف متطرفة. لكن الأمن الكندي الذي قام بتحقيق استمر أربعة أعوام ودرس فيه رحلاته إلى الخارج وتعاملاته المالية وحساباته على منصات التواصل الاجتماعي وشهاداته للشرطة تجعل عناصره متأكدين أنه لم يدخل أبدا سوريا أو انضم إلى تنظيم داعش ليرتكب الجرائم المزعومة. وأكد المسؤولون الأمريكيون الذين قابلتهم الصحيفة لهذا التقرير أنهم يدعمون الاستنتاج الكندي، مع أنه من الصعب التأكد من عدم سفره إلى سوريا.
وحتى لو سافر إلى هناك فستكون لفترة قصيرة حيث زعم أنه انضم للتنظيم ودخل معسكرات تدريب لضرب الغرب وانضم إلى الشرطة الدينية وفرض العقوبات وأعدم وشارك في نقاشات سرية للتخطيط من أجل عمليات ضخمة.
وقال رئيس وحدة الأمن القومي التي قامت بالتحقيق كريستوفر ديغيل: “المزاعم المزيفة تولد الخوف داخل مجتمعنا وتخلق وهما عن تهديد محتمل ضد الكنديين، مع أننا كنا نفكر بطريقة مختلفة”. وأثارت سلسلة “الخلافة” الكثير من الأسئلة حول مزاعم تشاودري وقررت الصحيفة تخصيص حلقة لمناقشتها. وبعد توجيه الشرطة الكندية الاتهامات إليه، قامت الصحيفة بالعودة إلى السلسلة وفحصتها من جديد وأعادت النظر في حساباته على منصات التواصل الاجتماعي وصوره وسفرياته وغير ذلك من الأدلة المحتملة التي تضيء على حياته ودوافع الانضمام للمنظمة الجهادية.
وقامت الصحيفة بوضع جدول زمني لتحركاته بطريقة لم تستبعد سفره إلى سوريا وبقاءه هناك مدة أسبوعين لكن التحقيق الجديد كشف عن تاريخ في تشويه الحقائق مثل استخدامه صورا للمقاتلين في التنظيم متوفرة على الإنترنت ونشرها على أنها صوره. وبالتأكيد كشفت المراجعة غياب أي مصدر يؤكد صحة مزاعم تشادوري حول مشاركته في جرائم التنظيم والتي قال إنه ارتكبها في سلسلة “الخلافة”. وما كشفه التحقيق هو أن تشاودري عاش حياة مملة وقرر إضفاء إثارة عليها.
فهو يقضي اليوم معظم وقته في محل الكباب الذي تملكه عائلته “بيغ غريل” في حي أوكفيل خارج تورنتو. وقال البرفسور أمارناث أماراسينغام المحاضر بجامعة كينغستون بأونتاريو: “يشعر بالملل” و”حياته الحقيقية رتيبة”. ورفض تشاودري التعليق ولكنه قال عبر محاميه نادر حسن إنه سيقوم برفض زعم التزوير. وبناء على القانون يجب على المحققين إثبات أن تشاودري كذب وكذا أنه كان يقصد تخويف الرأي العام وجعله يفكر أن تنظيم داعش سيضرب. وكتب حسن ردا على سؤال الصحيفة: “تم اتهام تشاودري بجناية خطيرة هو بريء منها”.
ويرى الخبراء أن الدفاع عنه سيحاول مواجهة الطرف الثاني من الاتهام وهو أن موكله كان يقصد بث الرعب داخل الرأي العام. وبدأت الشرطة الوطنية الكندية أو “شرطة الخيالة الملكية الكندية” مع بقية أجهزة الأمن التحقيق حول تشاودري عام 2016 بعد نشره صورا على منصات التواصل الاجتماعي وزعمه أنه قاتل في سوريا، وشارك صورا كمحاولة لبناء صورة المحارب الجهادي. وحتى في ذلك الوقت فمزاعمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم تقدم أدلة سوى صورة مقاتل غير واضحة يحمل سلاحه وسط فضاء صخري وصفه لاحقا بأنه “بيته المتواضع”.
وواحدة من الصور التي نشرها كانت متوفرة عبر منصات الأخبار وبعد فحصها تبين أنها التقطت من مصور تابع لوكالة أنباء تاس الروسية ووزعتها وكالة غيتي للصور. أما بقية الصور التي وضعها تشاودري فقد تبين أنها التقطت قبل سنوات منها واحدة على شاطئ البحر لرجال مسلحين قال إنهم “رفاقه في السلاح” مع أنها تشبه صورا وضعت على تويتر قبل سنوات نشرها معارضون للحرب السورية.
ولم يقل المسؤولون الكنديون متى بدأوا يشكون بأن تشاودري فبرك أجزاء كبيرة من قصته ولكنهم أكدوا أنهم لم يستغرقوا وقتا طويلا لاكتشاف الحقيقة. وقال رالف غوديل، وزير السلامة العامة الكندي من 2015- 2019، إنه تحدث عن خطأ المعلومات التي وفرها تشاودري عن انضمامه لتنظيم داعش عندما بثت الصحيفة حلقات “الخلافة”، لكنه لم يستطع الكشف عن هذا علنا نظرا للتحقيق الذي كانت تقوم به الشرطة. وقال في رسالة إلكترونية: “كانت لدي أسبابي للشك بأن هذا الفرد ليس كما يتظاهر”. ورغم الكثير من التناقضات وعدم التماسك في قصة تشاودري إلا أنها تقدم صورة عن المهمة الصعبة التي تواجه المسؤولين لتحديد هوية آلاف المتطوعين الأجانب الذين ذهبوا للقتال مع تنظيم داعش.
ووصف مسؤول كندي لا علاقة له بالتحقيق تقريرا أمنيا يعود إلى 2017 وتحدث عن سفر تشاودري الملقب بأبو حذيفة إلى سوريا ولكنه لم يفعل، وغادر سريعا بعد وصوله. وهناك تقارير عراقية تقول إن تشاودري كان مقاتلا وسجن في سوريا. ومع ذلك يرى المسؤولون الكنديون أنه لم يذهب أبدا إلى سوريا، ولا يتوقعون منه الجدال في المحكمة أن جزءا من قصته حول انضمامه لتنظيم داعش صحيح.
ووصل تشاودري إلى كندا مع عائلته وعمره لم يتجاوز الثانية. وبحسب عمه فقد نشأ في بيرلنغتون قرب تورنتو. وفي طلب للدراسة بالجامعة بباكستان قال إنه تخرج من ثانوية بيرلنغتون عام 2012 وفتح والده محل الكباب في أوكفيل. وبعد الدراسة الثانوية سافر إلى جنوب أفريقيا حيث سجل بمدرسة دينية قرب جوهانسبرغ. لكنه لم يبق طويلا وسافر للعيش مع جده وجدته لأمه اللذين كان قريبا منهما. وسجل لدراسة البيئة بمعهد البيولوجيا الجزيئية بجامعة التكنولوجيا البيولوجية في لاهور. وقضى ثلاثة أعوام ونصف في باكستان وعاد إلى كندا أثناء العطل المدرسية.
وقال جده شكيل أحمد عام 2018: “كان يذهب للجامعة بانتظام” و”كنت آخذه وأتركه عند محطة الباص وأعود وأخذه من محطة الباص على دراجة”. وكانت جامعته في لاهور منفتحة خلافا للجامعات في البنجاب التي يسيطر عليها الإسلاميون. واعترف عمه محمد عثمان أن تشاودري مال نحو الأفكار المتشددة ولكنه لم يكن جديا بل مجرد لعب “وانجذب لهؤلاء الناس لأنه كان يريد أن يظهر التزامه”. وفي بعض الأحيان كان يشعر بالحماس على “الطريقة الطالبانية”.
وزعم تشاودري أن الحرب الأهلية السورية عام 2011 جعلته يستفيق على معاناة المسلمين حول العالم: “لا يمكنك الجلوس متفرجا وتراقب العالم وهو يحترق”. وفي البداية أخبر الصحيفة أنه سافر من باكستان إلى تركيا ودخل سوريا مشيا على الأقدام عام 2014. ووصف واجباته في تنظيم داعش، مثل حراسة الطرق وفرض التعاليم التي تبناها التنظيم ومعاقبة السكان المحليين. وكان في سوريا عندما أعلن أبو بكر البغدادي عن الخلافة ولكنه غادرها بعد شعوره بالإحباط، وما طلب منه القيام به حيث فر عبر الحدود التركية وعاد إلى باكستان.
وزادت الشكوك عندما لم تكن هناك أختام تركية على جوازه الكندي. وعندها اعتقدت الصحيفة أن جواز سفر الباكستاني انتهى. وفي الحقيقة سافر تشاودري إلى تورنتو في شباط/فبراير 2014 وعاد إلى لاهور ومن ثم عاد إلى كندا في نفس الفترة التي قال إنه كان في سوريا. وعندما ووجه بالتناقض في روايته غير ما قاله وزعم أنه سافر إلى سوريا بعد إعلان الخلافة في أيلول/سبتمبر. وحتى هذه الرواية متناقضة لأن سفره يتصادف مع بداية العام الجامعي ولا مجال له للذهاب إلى سوريا في هذه الفترة. وتظهر سجلات العام مشاكل لعدم دفعه رسوم الباص واحتجاجات على علاماته الجامعية ولكنه حصل على علامات الفصل الذي انتهى عام 2015. ثم قدم طلبا مكتوبا لتأجيل الدراسة حيث قالت عائلته إنه أصيب بحادث دراجة.
ويبدو أنه كان في كندا في نيسان وأيار من ذلك العام. وتشير الصحيفة إلى أن التناقض في رواية تشاودري لا يقف عند تحركاته وزمن ذهابه إلى سوريا بل وحول دوره. فقد قابلت أميرا قال تشاودري إنه عمل تحت قيادته. وقال هذا الأمير الذي نشر عنه تقرير في صحيفة سويدية إنه بالكاد يعرفه. واقترح أنه كان يعمل في مدينة غير المدينة التي ذكرها تشاودري. كما قال إنه كان قائدا عسكريا بخلاف تأكيداته أنه عمل في الشرطة الدينية.