يمازح زميله في المحل قليلا ثم يعود ليمسك المقص بيده اليمنى ويضع بيده الأخرى المشط، لإكمال حلاقة أحد الزبائن الذين اعتادوا على الحلاقة عنده لخفة يده وطريقته المميزة في قصات الشعر الحديثة، هكذا يمضي يومه في الحلاقة بعيدا عن الضجيج والصخب، التي بدأت تظهر في حياته قبل عدة سنوات.
أحمد الموسوي (50 عاما) من مواليد مدينة الشطرة شمالي محافظة ذي قار، كان يعيش حياته بشكل طبيعي، وغالبا ما يقضي أوقاته في محل عمله بالحلاقة أو في البيت، الا أنه لم يكن يعرف أن ظرفا عائليا قد دفع به لأن يكون شبيها لأشهر منشد (رادود) حسيني في العراق، حيث قادته الصدفة، لأن يتشارك مع الرادود باسم الكربلائي بالشبه لدرجة لا تصدق.
يذكر أن باسم الكربلائي، يمثل أيقونة الانشاد الديني الخاص بمناسبة عاشوراء التي تشهد ذكرى مقتل الامام الحسين بن علي بن ابي طالب "ع"، حيث تربع على عرش الانشودة أو الردة الحسينية منذ أكثر من ثلاثة عقود، ونال شهرة واسعة في عموم العراق وبلدان الخليج ولبنان وايران.
أحمد الذي يعشق مهنة الحلاقة، والتي ربط اسمه بها فأطلق على نفسه اسم أحمد الحلاق، عرف العمل بالحلاقة منذ سنوات طويلة، وأدوات الحلاقة هي الشيء الوحيد الذي يجد نفسه بارعا ومتمكنا فيها.
وبينما يقوم في إكمال حلاقة زبون جديد لديه، يقول أحمد الموسوي لموقع IQ NWES، بأنه "في العام 2015 توفيت والدتي وعلى إثرها أطلقت اللحية كنوع من الحزن الذي اعتدنا عليه في مناطقنا، لكن بعد أن شاهدني الأصدقاء وبعض الناس بشكلي الجديد أخبروني بأن ثمة شبها مذهلا بيني وبين الرادود الحسيني المعروف باسم الكربلائي".
ويضيف الموسوي "لم أصدق ذلك بصراحة في بادئ الأمر، واعتقدت بأن الموضوع طبيعي، لكن الإصرار لدى بعض المقربين أثبت غير ذلك بعد زيارتي في كربلاء أو تقديم الخدمة بشكل تطوعي في العتبة الحسينية، وأنا أقوم بواجبي في تفتيش الزائرين، حيث بدأ الناس يتجمهرون حولي ويصيحون بأنني شقيق وتوأم باسم الكربلائي".
ينظف ما تبقى من الشعر المتساقط من الزبائن بداخل المحل بعد إكمال أخر زبون لديه ثم يكمل حديثه، "في بادئ الأمر شعرت بالإحراج، ووجدت نفسي في حيرة، كيف يمكنني أن أتقبل فكرة الشبه بأحد المشاهير، وهو الامر الذي جعل مني مشهورا ايضا".
يجلس على الكرسي ثم يصفف لحيته البيضاء بيده "كان الأمر صعبا عليّ وأخذت فترة طويلة لأتقبل هذه الفكرة ومواجهة هذا الشبه، حيث تعودت على المعجبين لملا باسم حتى أنني أخبر الجميع بأنه مجرد شبه لا أكثر، لكنهم يصرون على التقاط الصور ومع ذلك أفسح المجال لهم".
"واجهت الكثير من المواقف المحرجة وبعض المواقف التي تكشف عن حب الناس لهذا الشخص، أنا كل عام من زيارة الأربعين أذهب لخدمة الزائرين عند العتبة الحسينية وأقوم بالتفتيش، وخلال الزيارة حينما أقوم بواجبي يتوقف أمامي الزائرون لالتقاط الصور وبعض الأحيان يحصل تدافع وازدحام لرؤيتي، حينها يضطر مسؤولي بالعمل الى إبعادي عن أمام الناس لفسح المجال لعبور الزائرين". كما يقول الموسوي
ويتابع الموسوي حديثه "حتى أن ذلك أنعكس على علاقتي بعائلتي، خاصة حينما أتواجد في كربلاء، أحيانا حينما أتجول هناك، يواجهني كثير من الشباب والبنات لالتقاط الصور، ويسألوني عن قربي من "الملا باسم"، أؤكد لهم أنه لا علاقة لي به، وهو مجرد شبه، بعض الأحيان نشعر بالإحراج، ولا نأخذ راحتنا بسبب نظر الناس وفضولهم بتوجيه الأسئلة لي حول هذا الشبه".
"لا يتمتع الموسوي بأي صوت كي يدخل في مجال الردة الحسينية، ويستغل الشبه بينه وبين الملا باسم الكربلائي"، كما يقول أحمد صلاح وهو زميل للموسوي في الحلاقة، كما أن "الرجل متواضع ولا يفكر في أن يكون غير نفسه كصاحب محل للحلاقة لا أكثر فهو يحب الملا الكربلائي أيضا وحقق لقاء خاص معه بسبب هذا الشبه".
ويضيف صلاح خلال حديثه لموقع IQ NWES، أن "الموسوي شخصية محبوبة ويمتلك علاقة طيبة مع الجميع، قبل سنوات أصبح مشهورا في المنطقة حينما ظهر في أكثر من صورة وموقف، وخاصة خلال الزيارة والمواكب الحسينية، وكيف أن الناس يحتشدون من أجل التقاط صورة أو الحديث معه بشأن علاقته بأشهر رادود حسيني".
وعن مستوى الاحراج الذي يمر به، يقول الموسوي "أحيانا أحاول إخفاء هذا الشبه، والتعامل مع الامر بشكل طبيعي في الأماكن العامة، لكني أفاجأ بعدم جدوى ذلك، فحين أدخل أحد المطاعم على سبيل المثال، يرفض صاحب المطعم أو بائع الشاي تقاضي الأجرة المالية وهذا ما يدخلني في موجة من الخجل".
هذا الشبه، كما يقول الموسوي، وصل الى "الملا باسم الكربلائي فتم ترتيب لقاء معه في حسينية العاشور بمحافظة البصرة، وحينما التقيت به فوجئ بالشبه بيني وبينه وابتسم وجلست معه في أحد مواسم عاشوراء قبل أعوام، وحضرت مجلس العزاء، حتى أن الناس ظنوا أنني شقيقه".
وتكرر الأمر معي خلال سفري إلى إيران، "فكان الناس يسلمون علي باحترام أو يحاولون الحديث معي، وأسمع بعضهم يقول أنني باسم الكربلائي"، مشيرا الى أن "انتشار صوري في وسائل التواصل الاجتماعي جعل الكثير يعتقد أنني باسم الكربلائي". وعلى مدى سنوات بدأ يتعايش مع الأمر، رافضا استغلال هذا الشبه الذي فتح له آفاق النفوذ الاجتماعي.
يقول حسين عباس، وهو صديق للموسوي لـ IQ NWES، "أعرفه منذ سنوات، نحن نفهم وجه الشبه بينه وبين الرادود ملا باسم الكربلائي، وهذا ما نراه على وجوه الناس في المناسبات والأماكن العامة".
ويتابع حديثه "الناس حينما يرونه معنا يعتقدون أنه هو الملا باسم، حيث يزدحمون أحيانا لالتقاط الصور أو احتضانه أو تقبيله من الرأس، لكنه يخبرهم باستمرار بأنه مجرد شبه لا أكثر، وحين نشاهد الأمر يخرج عن السيطرة نقوم بإبعاده عن الأنظار".
يبتسم الموسوي بينما يستعد لحلاقة زبون آخر، ويكمل "للشهرة ضريبتها، وجدت نفسي أحيانا شخصية مشهورة وشعرت أنني الملا باسم لما رأيته في عيون الناس، ولكن كل ذلك يحتاج قدرة على تحمل هذه الشهرة وعدم الظهور في الأماكن العامة دائما".