العراق أمام لحظة حاسمة.. بين انتفاضة التغيير وقبضة السلطة
- 24-03-2025, 13:32
- سياسة
- 244

بغداد - IQ
تشهد الساحة السياسية في العراق جدلًا واسعًا حول إمكانية حدوث تغيير سياسي يواكب تطلعات الشعب العراقي، الذي يعاني من آثار الفساد وهيمنة الطبقة السياسية الحاكمة. وبينما يدعو بعض المحللين السياسيين إلى ضرورة التغيير الجذري في النظام السياسي، يرى آخرون أن الإصلاحات الجزئية قد تكون أكثر واقعية في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد.
في هذا السياق، تبرز آراء المحللين السياسيين والنخب العراقية بشأن مستقبل العراق السياسي، حيث يؤكد البعض ضرورة الوصول إلى معادلة حكم عادلة تحترم إرادة الشعب، بينما يعبّر آخرون عن مخاوفهم من استمرار الهيمنة السياسية للأحزاب التقليدية.
تصاعد المطالب الشعبية بالتغيير
تتزايد في العراق الأصوات المطالبة بتغيير سياسي حقيقي، في ظل حالة من عدم الرضا الشعبي عن النظام السياسي القائم. فالشعب العراقي، الذي عانى لعقود من الفساد والمحاصصة السياسية، يتطلع إلى نظام يحقق العدالة الاجتماعية، ويعزز سيادة الدولة، ويوفر حياة كريمة للمواطنين.
وفي الوقت ذاته، تبرز تساؤلات حول شكل التغيير المرتقب، وهل سيكون تغييرًا جذريًا أم مجرد إصلاحات جزئية ضمن الإطار السياسي القائم؟ وقد شهدت الساحة السياسية في السنوات الأخيرة تحركات وانتقادات لاذعة تجاه الأداء الحكومي، لا سيما فيما يتعلق بالانتخابات السابقة، التي لم تلبِّ تطلعات المواطنين في تحقيق تمثيل حقيقي لشعب العراق داخل المؤسسات التشريعية.
ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، يظل الحديث عن التغيير السياسي في العراق أحد المواضيع الساخنة التي تثير جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء. فالتحديات التي يواجهها العراق على الصعيدين الداخلي والخارجي تستدعي حلولًا عاجلة، قد تشمل مراجعة شاملة للنظام السياسي والانتخابي، بهدف تحقيق استقرار سياسي يضمن الأمن والتنمية لجميع فئات المجتمع. ورغم ذلك، يظل المشهد السياسي العراقي معقدًا، حيث تتداخل فيه الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل التنبؤ بمسار الأحداث في المرحلة المقبلة أمرًا صعبًا.
التغيير السياسي بين التوقعات والواقع
أكد المحلل السياسي حيدر الزيرجاوي، في تصريح خاص لموقع (IQ)، أن "الشعب العراقي، بجميع مكوناته وانتماءاته، يتطلع إلى تغيير سياسي حقيقي يرتكز على معادلة حكم عادلة تحترم إرادة الشعب، وتلبي طموحاته، وتعزز سيادة الدولة، وتخدم المواطن، بدلًا من تكريس نفوذ طبقة سياسية استفادت لعقود من المال السياسي والفساد والصفقات المشبوهة."
وشدد الزيرجاوي على أن "أي تغيير سياسي يجب أن يكون إيجابيًا وديمقراطيًا، ويعكس الإرادة الحقيقية للعراقيين، وهو ما لا يختلف عليه أحد."
تأثير المرجعية الدينية في الشارع العراقي
وفيما يتعلق بالانتخابات القادمة، أشار الزيرجاوي إلى "ضرورة تهيئة ظروف انتخابية نزيهة تضمن تمثيلًا عادلًا لإرادة الشعب، بعيدًا عن القوانين التي تُفصَّل وفق مصالح الكتل السياسية"، مؤكدًا أن "المرجعية الدينية سبق أن دعت إلى قانون انتخابات عادل، يعتمد على نظام الدوائر المتعددة والترشيح الفردي، بحيث لا يتم توريث الأصوات أو منح زعماء الكتل سلطة فرض مرشحين بلا كفاءة أو تاريخ سياسي واضح، كما حدث في الانتخابات الأخيرة، التي أفرزت مجلسًا نيابيًا لم يحقق تطلعات المواطنين، بل بدا وكأنه مجرد ساحة لتحركات خاضعة لإرادات الكتل السياسية."
تحديات وآفاق الإصلاح
أما بشأن النظام السياسي الحالي، فقد أوضح الزيرجاوي أن "هذا النظام تأسس على معاناة العراقيين، لكنه بمرور الوقت أصبح معزولًا تمامًا عن الشعب، حيث تعيش الطبقة السياسية في أبراجها العالية، مستفيدة من الامتيازات والمناصب، بينما يعاني المواطن البسيط من التهميش."
وأضاف: "أي تغيير جذري قد لا يكون نتيجة حراك داخلي، بل نتيجة استمرار الممارسات التي تبعد النظام عن نبض الشارع وتجعله خاضعًا لأجندات خارجية."
إصلاح النظام بدلًا من الإطاحة به
وأكد الزيرجاوي، بصفته مراقبًا سياسيًا، أن "الحل لا يكمن في الإطاحة بالنظام، بل في إصلاحه، عبر محاسبة الفاسدين، وإعادة هيكلة الحكم، وتغيير الأعراف السياسية التي ترسخت بعد عام 2003، لضمان بناء دولة قوية تلبي تطلعات الشعب وتحمي مصالحه."
وفي الإطار نفسه، قال النائب المستقل حسن حبيب، في تصريح خاص لموقع (IQ)، إن "الانتخابات المقبلة قد تشهد تحولًا نوعيًا في المشهد السياسي، مؤكدًا أن الحديث عن التغيير السياسي في العراق شهد تزايدًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، سواء من قبل المحللين أو السياسيين، عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي."
وشدد حبيب على أن "النظام السياسي في العراق قائم على أسس ديمقراطية برلمانية، حيث يمتلك الشعب حق اختيار ممثليه في مجلس النواب، الذي يضطلع بمهمة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتشكيل الحكومة."
وأوضح حبيب أن "التجربة السياسية في العراق أثبتت وجود تداول للسلطة، حيث شهدت البلاد تغيير أكثر من أربعة رؤساء وزراء وثلاثة رؤساء جمهورية، ما يعكس طبيعة النظام الديمقراطي القائم"، مؤكدًا أن "أي تغيير مستقبلي يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع، باعتبارها الوسيلة الدستورية الوحيدة لاختيار ممثلي الشعب."
التحديات الخارجية وتأثيرها على العراق
وفيما يتعلق بقدرة النظام السياسي الحالي على مواجهة التحديات الخارجية، أشار حبيب إلى أن "العراق ليس بمنأى عن التطورات الإقليمية والدولية، لكنه استطاع تجاوز إحدى أخطر المراحل، وهي تجنب الانزلاق في حرب إقليمية واسعة."
وأضاف: "المرحلة المقبلة قد تكون أقل تعقيدًا مقارنة بالماضي، مع إمكانية التعامل مع التحديات بأساليب دبلوماسية وسياسية تضمن الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها."
إلغاء التصويت في الخارج وتأثيره على العملية الانتخابية
وفيما يتعلق بإمكانية إجراء انتخابات العراقيين في الخارج، أكد حبيب أن "قانون الانتخابات الجديد ألغى التصويت خارج البلاد، ومن غير المرجح إجراء أي تعديل على القانون في الوقت الحالي"، مبينًا أن "أي تغيير في هذه المرحلة قد يؤدي إلى إرباك عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، مما قد يستدعي تأجيل الانتخابات، وهو أمر غير مطروح حاليًا، نظرًا لأهمية الالتزام بالاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في أكتوبر المقبل."
وختم حبيب تصريحه بالتأكيد على أن "المرحلة المقبلة قد تشهد تغيرات مهمة في الخارطة السياسية"، مشددًا على "ضرورة المشاركة الفاعلة في الانتخابات لضمان اختيار ممثلين قادرين على تحقيق تطلعات الشعب العراقي."
التحولات السياسية ودور القوى الإقليمية
وفي نفس السياق، أكد الباحث والمحلل السياسي علاء الخطيب، في تصريح خاص لموقع (IQ)، أن "الحديث عن تغيير سياسي في العراق يظل محصورًا في الأوساط الإعلامية، دون وجود مؤشرات رسمية من القوى الدولية أو الإقليمية الفاعلة."
وأوضح الخطيب أن "أي تحول سياسي يتطلب توافقًا دوليًا وإقليميًا، وهو ما لم تتوفر مقدماته حتى الآن، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية لم تصدر أي موقف يوحي بدعمها لأي تغيير جذري في المشهد العراقي."
المؤسسة الدينية والعشائرية في العراق: دورهما في التغيير السياسي
وأشار الخطيب إلى أن "التغيير في العراق ليس قرارًا منفردًا، بل يخضع لعدة عوامل داخلية، أبرزها:
المؤسسة الدينية ومدى قناعتها بضرورة التغيير، نظرًا لتأثيرها الواسع في الشارع العراقي.
المؤسسة العشائرية، التي ترتبط مصالحها بشكل وثيق بالوضع السياسي القائم."
وأردف قائلًا: "الشارع العراقي، الذي لم يعد يمتلك زخم الاحتجاجات السابقة، يواجه غياب الدعم الدولي، مما يقلل من فرص حدوث تغيير جذري في الوقت الراهن."
التيار الصدري وتأثيره في الانتخابات المقبلة
وفيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، أكد الخطيب أن "الخارطة السياسية لن تشهد تغييرات جذرية، مشيرًا إلى استمرار هيمنة الأحزاب التقليدية وغياب الأطروحات السياسية الجديدة."
وأضاف: "إن دخول التيار الصدري إلى الانتخابات قد يؤثر على المشهد، لكنه لن يحدث تغييرًا شاملًا، خاصة مع وجود تحفظات دولية على تصدره المشهد السياسي."
إصلاحات جزئية بدلًا من التغيير الشامل
وختم الخطيب حديثه بالتأكيد على أن "المرحلة المقبلة قد تشهد بعض الإصلاحات الجزئية داخل الإطار السياسي القائم، لكنه استبعد أي تحول جذري في ظل التوازنات الحالية."