باتت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ملزمة بحسم ملف المناصب التنفيذية التي تدار بالوكالة في البلاد منذ سنوات طويلة، قبل الثلاثين من يونيو/حزيران المقبل، وذلك بعد تمرير البرلمان بنداً ملزماً للحكومة، ضمن موازنة العام 2021 التي تم التصويت عليها قبل أيام، بشأن إنهاء ملف المناصب التي تدار بالوكالة، وتسمية مسؤولين أصليين لها، وسيفتح هذا الأمر مجدداً صراع المحاصصة الحزبية والطائفية، المعتمد في العملية السياسية في العراق منذ 2003.
وفي الساعات الأخيرة، قبيل تمرير الموازنة مساء الأربعاء الماضي في مجلس النواب، أضافت رئاسة البرلمان مادة جديدة تحت الرقم 21، تُلزم الحكومة بإرسال أسماء المكلفين بمناصب الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة إلى البرلمان، بموعد أقصاه 30 حزيران المقبل، لإنهاء إدارة تلك المناصب بالوكالة.
ويقصد بالدرجات الخاصة وكلاء الوزراء والمدراء العامون ورؤساء الهيئات، ومناصب أخرى في مؤسسات الدولة.
ويتراوح عددها بين ألف و1500 منصب، لكن ما يدار منها بالوكالة يقدر بأكثر من 700 وفقاً لمصادر حكومية، رجحت أن تبدأ المفاوضات بشأنها بين القوى السياسية من جهة، وحكومة الكاظمي من جهة أخرى، بعد جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً الثلاثاء، أو نهاية الأسبوع الحالي.
مسؤول في مكتب الكاظمي: عملية الاختيار للمناصب الأصلية ستكون من داخل المؤسسات والوزارات
وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء، لصحيفة "العربي الجديد"، إن "اختيار الأسماء الجدد لشغل المناصب سيتم من خلال مراعاة التوازن المكوناتي"، في رد يحمل إشارة إلى المحاصصة الطائفية في تلك المناصب.
وأضاف أن "رئيس الوزراء سيتشاور مع القوى الرئيسية في البرلمان"، مشيراً إلى أن "عملية الاختيار للمناصب الأصلية في الوزارات والهيئات ستكون من داخل تلك المؤسسات والوزارات وليس من خارجها".
ورجح أن تبدأ المشاورات بعد اجتماع رئاسة الوزراء الثلاثاء المقبل، أو نهاية الأسبوع المقبل، و"سيكون هناك تفاهم حول المناصب لحسم موضوعها قبل الموعد الذي حدده البرلمان نهاية يونيو المقبل".
ووسط توقعات بأن تُشعل الدرجات الخاصة صراعاً سياسياً جديداً بين القوى النافذة لا يقل حدة عن التنافس السابق حول تسمية الوزراء، أكد النائب عن تحالف "سائرون" محمود الزجراوي أن "إلزام البرلمان الحكومة بإنهاء أزمة المناصب التي تدار بالوكالة لم يكن الأول، إذ سبق أن ألزم الحكومة السابقة بهذا الأمر في موازنة 2019، لكنها لم تفعل ذلك، بسبب خلافات حادة حالت دون حسم الموضوع، وسكت الجميع بعدها على هذه الفقرة في الموازنة".
وأضاف الزجراوي، أن "المشكلة تتلخص في وجود جهات سياسية تهيمن على عدد كبير من الدرجات الخاصة، وتديرها منذ سنوات طويلة بالوكالة، ولا تريد إنهاء هذا الملف، وتعمل على عرقلته، حتى تبقى هيمنتها داخل الدولة العراقية، فيما هناك قوى سياسية أخرى تضغط لإنهاء هذه الهيمنة قبل الانتخابات" المقرر أن تجرى في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
واعتبر أن "قرار البرلمان سيطلق حراكاً واسعاً من أجل إنهاء الملف، وبخلاف ذلك سوف تعرض الحكومة نفسها إلى المساءلة والمحاسبة، كونها خرقت أحد بنود قانون الموازنة".
وأقر بأن "فتح قضية الدرجات الخاصة والمناصب التي تدار بالوكالة، سيفتح باباً كبيراً للخلافات السياسية والصراعات على تلك المناصب والدرجات، لكن هذا الأمر يجب أن يحسم بأسرع وقت".
إجراءات مبكرة للجنة "اجتثاث حزب البعث"
وفي تأكيد على بدء صراع مبكر على المحاصصة الطائفية حول تلك المناصب، قالت النائبة عن "تحالف القوى العراقية" انتصار الجبوري إن "هناك تهميشا واضحا للمكون السني بالدرجات الخاصة، وهذا التهميش يجب أن يحل، من خلال تسلم شخصيات من المناطق المحررة لبعض المناصب، خصوصاً أن بعض تلك الدرجات والمناصب، تهيمن عليها قوى سياسية محددة منذ سنوات طويلة".
وأضافت الجبوري، "بكل تأكيد، فإن فتح هذا الملف من قبل الحكومة العراقية، سيولد خلافات بين كافة القوى السياسية للحصول على حصصها من الدرجات الخاصة، خصوصاً أن الكتل السياسية التي تهيمن على تلك الدرجات، ستضغط وتخلق المشاكل من أجل منع تمرير مهمة إغلاق أزمة المناصب التي تدار بالوكالة، وهي بالمئات".
فتح هذا الملف سيولد خلافات بين كافة القوى السياسية
واتهم النائب عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ديار برواري، جهات سياسية، لم يسمها، بـ"السيطرة على المناصب الخاصة بالدولة عبر الوكالة".
وقال، إن "البرلمان مصمم هذه المرة على حسم ملف الدرجات الخاصة مهما كلف الثمن". وأضاف "بكل تأكيد حسم ملف الدرجات الخاصة والمناصب العليا سيكون بالتشاور والاتفاق بين القوى السياسية، دون تهميش لأي طرف سياسي".
في المقابل، توقع المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن يفتح ملف الدرجات الخاصة والمناصب التي تدار بالوكالة، "خلافات وصراعات جديدة بين القوى السياسية على هذه المناصب، خصوصاً مع قرب الانتخابات البرلمانية".
ولفت إلى أن "الجهات السياسية ستعمل على إفشال أي حراك نحو المناصب التي تهيمن عليها. ولهذا فإن الأمر ليس بتلك السهولة، وتطبيق قرار البرلمان ليس بالأمر السهل، إذ إنه سيفتح صراعات سياسية كبيرة جداً".
وأعرب عن اعتقاده "بأنه لن يتم تطبيق قرار البرلمان، وسيكون مصيره حال قرار البرلمان في سنة 2019، خصوصاً أن حكومة مصطفى الكاظمي لا تريد الدخول في صراع مع الجهات السياسية المتنفذة، ولهذا ستعمل قدر الإمكان على بقاء الوضع على ما هو عليه، دون أي تغيير يثير غضب أو حفيظة بعض الجهات السياسية".