يسعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى تحقيق اختراق في ملفين بالغي الحساسية، قد يتسببان في ترك أثر عميق على جسد السياسة العراقية، لم يسبق لرئيس حكومة تحقيقه منذ 2003.
ويتنقل الكاظمي بين ملفي مكافحة الفساد داخليا، وتسوية النزاع السعودي الإيراني خارجيا، بأمل تحقيق نجاح في كليهما، أو أحدهما في الأقل، لا سيما وأن الدورة الانتخابية الحالية على وشك الأفول، بعدما جرى تحديد موعد الاقتراع المبكر في العاشر من تشرينالأوّل المقبل.
وبحسب معلومات خاصة اطلع عليها موقع IQ NEWS، فإن اللجنة التي شكلها الكاظمي برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف لملاحقة الفاسدين، توشك على تنفيذ عمليات اعتقال ضد شخصيات بارزة، بعضها يتمتع بحصانة نيابية، بعدما فاتح القضاء رئاسة البرلمان لرفعها.
وتأتي هذه التحركات، بعد الخطوة الكبيرة التي اتخذتها اللجنة، باعتقال زعيم حزب الحل جمال الكربولي، على خلفية تحقيقات في ملفات وزارة الكهرباء.
ولا يذيع الفريق المحيط بالكاظمي سرا عندما يلمح مرارا وتكرارا إلى أهمية ملف الفساد ومكافحته لدى رئيس الوزراء، بالرغم من الانتقادات العديدة التي تتلقاها الحكومة فيما يتعلق ببطء الإجراءات، وما يوصف بأنه انتقائية بالنسبة للشخصيات المستهدفة بالملاحقة.
وعبرت قوى اجتماعية وناشطون عن دعمهم لإجراءات لجنة أبو رغيف والقرارات القضائية التي تستهدف محاربة الفاسدين، وسط توقعات بأن تكون عملية اعتقال الكربولي هي بوابة لسلسلة عمليات ضد شخصيات كبيرة، أو تلك التي توصف بـ "الحيتان".
وتتسرب أنباء من كواليس الفريق المحيط بالكاظمي تشير إلى أن الأشهر القادمة ستكون ساخنة فيما يتعلق بملف الفساد، ما يصب المزيد من الزيت على المسم الانتخابي الملتهب أساسا.
وفي الملف الثاني، تمكن الكاظمي من لفت الأنظار سريعا إلى حراكه الخارجي الناعم، إذ جمع بين الغريمين، الإيراني والسعودي، على طاولة مفاوضات واحدة في بغداد.
وبرغم الطابع السري الذي هيمن على المباحثات الأولية بين البلدين، وحجم الشكوك الذي يعتري العلاقة بينهما، إلا أن إقناعهما بالجلوس على طاولة المفاوضات في هذا التوقيت الحساس، يمثل تحولا في مسار الأداء السياسي لحكومة الكاظمي، التي اتهمت مرارا بالتردد.
ولا يتوقع المطلعون على أجواء هذه المباحثات تحقيق انفراجة كبيرة في العلاقات بين السعودية وإيران، ولكنهم متفائلون بشأن إمكانية أن تؤدي إلى المزيد من جلسات التشاور الضرورية بين البلدين العملاقين في المنطقة.
ويمكن أن يشكل تظافر أي نجاحات بين هذين الملفين، سيرة ذاتية مميزة للكاظمي، بعدما تسلم منصب رئيس الوزراء في واحدة من أسوأ فترات البلاد والعالم، حيث الأزمة المالية الخانقة بسبب انهيار أسعار النفط وظروف جائحة كورونا.
وكثيرا ما دار الجدل بشأن المهام الرئيسية لحكومة الكاظمي، وما إذا كانت هذه الكابينة مؤقتة وذات أفق محدود في الصلاحيات؛ ولكن الكاظمي اعتاد تحدي هذا الجدل والتعامل مع التطورات بوصفه رئيس وزراء بصلاحيات كاملة.
وفي حال نجح الكاظمي في وضع بعض من كبار الفاسدين خلف القضبان، فإنه قد يفتح الباب على عملية محاسبة واسعة للذين تورطوا في سرقة المال العام وإهداره.
كما أن نجاح وساطة الكاظمي بين السعودية إيران قد يضع اسمه على خريطة السياسية الدولية، بوصفه لاعبا يجيد اختيار الأوقات المناسبة للتحرك.