فيما لا زالت حوادث الاغتيال والتهديد تطال متظاهرين وناشطين شاركوا في تظاهرات تشرين الاول 2019، والتي لاتزال مستمرة حتى الان، تخرج بين حين وآخر دعوات لتشكيل "فصائل" أو "لجان أمنية" من المتظاهرين أنفسهم لحماية زملائهم.
آخر دعوة من هذا النوع، طرحها السياسي والناشط ليث شبر على صفحته في فيسبوك، فبعد سلسلة من الانتهاكات والاعتداءات، تلتها إزالة خيام المعتصمين في ساحة التحرير إيقونة التظاهرات في بغداد، وفتحها أمام حركة السير مؤخراً، أعلن شبر، أن "لا سلمية بعد اليوم"، واضعاً رابطا على صفحته في فيسبوك يقود إلى تطبيق تلغرام، حيث يستقبل طلبات الانخراط في "فصائل أنصار تشرين".
يقول شبر، مبررّا خطوته تلك، بالقول إنه ما دام القانون في العراق يطبق على الناس العاديين فقط، ولم يمثل حتى الآن قتلة متظاهري تشرين أمام القضاء ويتم التشهير بالعراقيين دون رادع فـ"ليس من خيار أمامنا نحن العراقيون سوى أن ندافع عن أنفسنا ونهاجم عدونا بكل الطرق".
ويتوعد السياسي ليث شبر، الذي صدرت بحقه مذكرة قبض بتهمة التشهير، بـ"بث الرعب في قلوب العملاء والخونة والفاسدين والمنافقين، وزلزلة عروشهم الخاوية وكروشهم الفاسدة"، مخاطباً هؤلاء، الذين لم يحدد أسماءهم، بالقول "سنذيقكم العذاب والخوف، ونهايتكم الخزي والعار".
لم تكن هذه الدعوة هي الأولى، فأسعد الناصري، القيادي السابق في التيار الصدري، والذي انشق عنه لاحقاً، ليلتحق بتظاهرات ساحة الحبوبي في ذي قار، كان قد دعا المتظاهرين، في السابق، إلى "حمل السلاح والتدرب عليه، وإنشاء لجان تعمل على تأمين سلامة الثوار والناشطين"، وبث مقطع فيديو يوثق عملية تدريب قام بها على التصويب بسلاح كلاشنكوف.
لكن في الساحات وفي مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، تواجه مثل هكذا دعوات، رفض الكثير من المتظاهرين والناشطين، رغم حوادث الاغتيال والتهديدات المستمرة التي تطالهم.
ناشطون: نتظاهر ضد السلاح المنفلت فكيف نؤسس ميليشيا؟
"لا أعلم لماذا يناقض بعض الناشطين أنفسهم، فنراهم يخرجون في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل يطالبون بإبعاد الميليشيات وسحب السلاح الخارج عن نطاق الدولة، ثم يدعون لاحقاً إلى تأسيس ميليشيا وحمل السلاح"، يقول الناشط في تظاهرات البصرة عمار الحلفي.
ويشير الحلفي، في حديثه لـIQ NEWS، إلى أن ساحات التظاهر رفضت في السابق "كل الدعوات" لحمل السلاح، محذراً من "تحريض شخصيات تقيم في خارج العراق على التسلّح".
وفيما يتهم اصحاب تلك الدعوات بـ"محاولة استخدام المتظاهرين حطباً لتنفيذ مشاريعهم الخاصة"، قال إن "بعض هؤلاء يؤسسون كتلاً سياسية ويريدون دخول معترك السياسة، أما نحن فخارج هذا الشيء".
قبل يومين، أودت رصاصة بالمتظاهر عمر فاضل في محافظة البصرة، حين خرج ضمن حشد من الشباب، احتجاجاً على حادثة إطلاق نار تعرض لها متظاهرون في المحافظة قبل أيام بينما كانوا في مسيرة احتجاجية أيضاً.
ويؤكد الحلفي، أن "العلم العراقي والكلمة هما سلاحنا الوحيد فقط"، لافتاً إلى أن "الدعوات لتسلّح المتظاهرين تصب في اتجاه منح خصومنا شرعية لقتلنا وإنهاء احتجاجاتنا".
بعد إزالة خيام المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد وفتحها مع جسر الجمهورية أمام حركة السير، الأسبوع الماضي، عقب عام كامل على إغلاقهما وتمركز المتظاهرين فيها، توجهت أنظار "التشرينيين" إلى ساحة الحبوبي في ذي قار، التي بنى متظاهروها خيماً من "البلوك"، بدلاً عن الخيام التي أحرقها مسلحون اقتحموا الساحة مساء 28 كانون الثاني الماضي.
من هناك، يقول الناشط مشرق الفريجي، معلقاً على الدعوات لتسليح المتظاهرين، إن "السلمية هي أساس تشرين، والمحتجون دعاة سلم، أما الممارسات الفردية مثل دعوات التسلح، فهي لا تمثل تشرين من لا قريب أو بعيد".
ويضيف الفريجي في حديثه لـ NEWS IQ "خرجنا في تشرين الأول 2019 ننادي بالسلمية، وانسحبنا أحياناً حتى لا نعطي مجالاً لمن يحاول الاندساس في صفوفنا للتخريب وضرب القوات الأمنية بالحجارة أو المولوتوف، لذلك فإن تحول المتظاهرين من منهج السلمية إلى اللاسلمية غير وارد، وترفضه الغالبية العظمى من المحتجين"، داعياً لجان تنسيق التظاهرات إلى "الاستمرار في نهج السلم".
"سلّح أبناءك"!
في التعليقات على دعوات "التسلح"، يبدي أشخاص كثر تفاعلاً إيجابياً مع أصحاب تلك الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، يدفعهم في ذلك الغضب إزاء ما تعرّض له المحتجون وساحات التظاهر على امتداد عام كامل سقط خلاله نحو 800 قتيل وآلاف الجرحى، دون تقديم القتلة إلى القضاء أو توجيه اتهام رسمي لأحد حتى الآن.
في المقابل، يطلب آخرون من اصحاب تلك الدعوات بتسليح ابنائهم وأقاربهم وأصدقائهم، مستذكرين شخصية "سعيد اللافي" الذي كان يحرّض متعصمي الأنبار عام 2014 على حمل السلاح ضد القوات الأمنية ثم اختفى عن الأنظار بعدما ساءت الأوضاع في المحافظة ودخلها داعش في صيف ذلك العام، محتلاً، ليظهر "اللافي" بعد مدة في تركيا وهو في نزهة على البحر.
"قد تهدف لتقويض التظاهرات!"
من جهته، لا يستبعد رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، أن تكون دعوات تسليح المتظاهرين ضمن سيناريوهات تتبعها جهات سياسية داخلية بـ"هدف القضاء على التظاهرات".
ويقول الشمري لـ IQ NEWS إن "استمرار مسلسل قتل المتظاهرين والتضييق عليهم وقمعهم قد يكون هو الدافع لبعض القريبين من التظاهرات إلى الدفع باتجاه التسليح، وهذا ناتج عن اليأس والإحباط إزاء عدم وجود إجراءات كافية لحماية الساحات فضلاً عن عدم تقديم قتلة المحتجين إلى القضاء، وفي ظل وجود أطراف سياسية لا تزال تضع ساحات التظاهر بدائرة الاتهام والاستهداف".
لكنه، يستدرك بأن "هذا الأمر خطير وغير مسؤول وليس صحيحاً، فتظاهرات تشرين نجحت بسلميتها في كسب تعاطف المرجعية والرأي العام العراقي والعربي والدولي بشكل كامل، والسلمية هي من ستحقق المطالب"، مضيفاً "قد تكون هناك بعض الجهات السياسية الداخلية المعادية للتظاهرات هي من تدفع بمحاولة تحفيز ساحات التظاهر على رفع السلاح ومن ثمّ القضاء عليها، وهذه واحدة من السيناريوهات التي يمكن أن نؤشرها".