قبل الانتخابات التي أجريت في تشرين الأول 2021، خرج السياسي مشعان الجبوري في لقاء متلفز لـ"يتحدى" زملائه في تحالف "عزم" بأن غريمهم محمد الحلبوسي سيكون هو رئيس البرلمان في الدورة الخامسة، وللمرة الثانية على التوالي.
يومها، قال الجبوري الملتحق قريباً بتحالف السيادة بلهجة تحدي وسخرية وتشفي مخاطباً من وصفهم بـ"أصدقائي في عزم": "من جاء ليتولى منصب رئيس البرلمان فليعد، خيارنا الوحيد هو الحلبوسي وإذا جاء فيتو ديني يمنع ذلك، فإن خيارنا الثاني سيكون شخصاً آخر من تحالف تقدم وليس من بينكم".
وبعدما ألغت المحكمة الاتحادية عضويته في البرلمان الذي تشكل بعد الانتخابات، عاد مشعان الجبوري، المعروف بتصريحاته المتناقضة، ليهاجم الحلبوسي، دون سبب مفهوم.
الجبوري، الذي دأب على إطلاق التصريحات والأحاديث بعشوائية، يسعى للانتقام، وهدفه الآن هو صورة رئيس البرلمان الذي فاز تحالفه "تقدم" بأكثر المقاعد المخصصة للسنة في العراق والذي دخل في تحالف مع خميس الخنجر أطلق عليه "السيادة".
قبل يومين، ظهر مشعان الجبوري في لقاء متلفز يلازم مقدّمه الحماسة والغضب ثم يبكي وينهي حلقاته لتنهال عليه التعليقات المتعاطفة والمشجعة، وتشاركا رمي السهام على أبرز الصفات في شخصية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
من جملة حديثه، قال الجبوري مصدرّاً كلامه على أنه "أسرار" إن "الحلبوسي يرى في اقتتال الشيعة فرصة ليتذابحوا فتقوى السنة عليهم، ويسعى لامتلاك جيش خاص به".
"جيش اسمه.. ما أدري.. ثعالب الصحراء أو ذئاب الصحراء هيج شي"، قال الجبوري الذي كان يقدم برنامجاً يعلّم فيه المشاهدين صناعة عبوات ناسفة عندما كانت الأحداث الأمنية والسياسية في العراق مضطربة بشدة ويتقاتل الناس في الشوارع سنة وشيعة ضدّ بعضهم البعض بعد 2003.
وليؤكد "التسمية"، صحح مقدم البرنامج لضيفه "نعم. ثعالب الصحراء. ثعالب الصحراء"، جاعلاً من لقب الجنرال الألماني "روميل" جمع تكسير، بينما استعار مشعان الجبوري الاسم الأول من مسلسل عالم الجريمة العراقي المشهور "ذئاب الليل" وربطها بالصحراء التي تشتهر بها الأنبار.
كان المتحدثان، الجبوري ومقدمه، يقصدان "أشباح الصحراء"، وهي تسمية تستخدمها التنظيمات المتشددة وبعض الأجهزة الأمنية لمقاتليها على حد السواء مع تعديلات تناسب المكان الذي ينشطان فيه.
تسمية "أشباح الصحراء"، أطلقتها منصات موالية لفصائل مسلحة قائلة أنها اسم "جيش" غامض ينتشر في صحراء الأنبار "تابع" للحلبوسي الذي نفت مصادر مقرّبة منه هذا الأمر بشكل قاطع وكذلك أجهزة أمنية رسمية، وتحولت التسمية تلك إلى نكتة ومادة للسخرية بين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم ذلك، "صحح" له مقدّم البرنامج "نعم. ثعالب الصحراء. ثعالب الصحراء"، يقصدان بذلك تسمية درجت الكثير من التنظيمات المتشددة، سواء في العراق أو خارجه، على الاتصاف بها وهي "أشباح الصحراء"، وقد أطلقتها منصات موالية لفصائل مسلحة مناوئة للحلبوسي قبل أشهر وهو ما نفته بشدة مصادر الأخير وكذلك مصادر رسمية وقادة في الحشد العشائري.
عندما سيطر تنظيم "داعش" صيف 2014، على مدن الموصل وأجزاء واسعة من الأنبار وكركوك وديالى ووصل إلى تخوم بغداد متوعداً بـ"ذبح الشيعة وهدم المراقد في كربلاء والنجف"، كان الشعور في المدن الشيعية في الوسط والجنوب أنهم تعرضوا لـ"مؤامرة تاريخية من السنة".
في أوساط الشيعة، كانت المقاطع التي تظهر سياسيين سُنة وهم يتوعدون بـ"القدوم إلى بغداد فاتحين" تروج بكثرة، ويقارنوه بعبارة "أنفسنا السُنة"، التي يطلقها مرجعهم الديني الأعلى علي السيستاني على السُنة في العراق.
وحتى بعد استعادة القوات العراقية المشتركة للمناطق التي سيطر عليها تنظيم "داعش" وانتهاء المعارك الكبرى في 2017، لم يهدأ الغضب بين العديد من شيعة العراق، لكن الأمر تغير شيئاً فشيء إثر ظهور محمد الحلبوسي في مناصب متقدمة مثل محافظ الأنبار وبعدها كرئيس للبرلمان.
لا يذكر الحلبوسي الشيعة إلّا بكلمة "أهلنا"، وقال أكثر من مرة يلخص شكل العلاقة التي يجب أن تسود بين المكونين: "استقرار السنة في العراق وأمان مدنهم مرتبط باستقرار أهلنا الشيعة ومدنهم، نحن في بلد واحد وما يحدث في مناطق السنة يؤثر على مناطق الشيعة وبالعكس".
النفور الشيعي من الساسة السنة، تحوّل لدى قطاع واسع من الشيعة إلى "إعجاب" بالمهندس الشاب الذي يشدد على نبذ السلاح والفرقة والطائفية في خطاباته، ويفضل البناء والإعمار كأجندة يجب العمل عليها، وتوّعد مرة مرشحين من غير حزبه رفعوا لافتات انتخابية تحمل معاني طائفية ومناطقية وأكد أنه لن يسمح بإعادة الأمور إلى سابق عهدها وبـ"قوة القانون".
في التعليقات على مقاطع الفيديو والصور التي توثق حملات الإعمار في الأنبار التي خطط لها محمد الحلبوسي وتولاها من بعده القيادي في تحالفه علي الدليمي، كثيراً ما يكتب أشخاص من الجنوب والوسط "أماني" بأن يحدث أمراً مماثلاً في مناطقهم.
بالعودة إلى اللقاء المتلفز لمشعان الجبوري، زعم الأخير إن الحلبوسي "اشترى ألف بندقية M4 ووزع قطعاً منها على وزراء ومحافظين"، قائلاً إن محمد الحلبوسي اشترى هذه الأسلحة لـ"يؤسس جيشه!".
حتى التنظيمات التي تعمل بحرب العصابات ولا يظهر عناصرها مطلقاً بصورة مكشوفة، فهي تحتاج إلى مقرات وساحات تدريب ومخابئ أسلحة وسيارات وطعام، وإخفاء مثل هذه الأمور لم يعد ممكناً بالنظر لتقدم التكنلوجيا العسكرية مثل الطائرات المسيّرة على الأقل التي يمكنها المراقبة والتتبع والتحليق فوق أي مكان.
القوات والأجهزة العراقية التي تداهم بين حين وآخر مخابئ لتنظيم "داعش" في عمق الصحاري والكهوف والوديان لم تكتشف مرة أي تواجد غريب في صحراء الأنبار، المكان المزعوم لـ"الأشباح، رغم أن الطائرات العسكرية تحلق فوقها يومياً وتتجول فيها دوريات عسكرية بانتظام.
وزعم مشعان الجبوري، السياسي الذي تفاخر مرة بأنه قبض رشوة بقيمة مليون دولار أثناء عمله في إحدى دورات البرلمان السابقة، أن محمد الحلبوسي "يملك كيماوي، وسلاحه أخطر من سلاح الفصائل التي قتلت المئات من أبنائنا وغيّبت الآلاف".
"أنت ناصبّ عليّ؟ تريد تجلطني!"، ردّ مقدم البرنامج على الجبوري الذي طلب من الأول أن يصعد في الخطاب ويهيج الجمهور نفسياً وعاطفياً لـ"تحريك الشارع".
فوراً، قرأ المقدم قصيدة أو نثراً غير مترابط وأطلق الوعيد وتحول وجهه إلى اللون القرمزي.
قائد كبير في الحشد العشائري ينفي
بعد هذا اللقاء، ظهر القيادي الكبير في الحشد العشائري ثامر التميمي في تسجيل مصوّر، وقال: "في كل جلساتنا ولقاءتنا مع محمد لحبلوسي لم نسمع منه أي أجندة أو حديث طائفي، بل العكس نسمع منه خلاف ذلك وما تحدث به مشعان الجبوري والله نحن نسمع عكسه من الحلبوسي تماما".
وأضاف: "دائماً يقول لنا الحلبوسي إن حل مشاكلنا في تقوية بغداد وعند بناء دولة قوية ولا توجد حلول غير ذلك، وفي آخر لقاء جمعنا قال أحد الحاضرين إن تشكيل إقليم هو حل دستوري لكن محمد الحلبوسي رفض وقال أنا هنا لتقوية بغداد والدولة ومؤسساتها وهكذا تحل مشاكلنا تلقائياً في عراق واحد موحد. والله لم اسمع منه طيلة علاقتي به شيء مما تحدث به مشعان.