مرّ اليوم الوطني للعراق دون مظاهر احتفال كبيرة في العاصمة أو المدن الأخرى.
باستثناء البيانات والكلمات الرسمية، لم تكن هناك فعاليات شعبية كثيرة عدا الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر صور احتفائية.
واليوم الوطني للعراق هو تاريخ انضمامه لعصبة الأمم -التي صارت لاحقاً الأمم المتحدة- عام 1932، كبلد مستقل.
في محافظة الأنبار، كان هذا اليوم (3 تشرين الثاني 2022) مميزاً، وعكس التحول العميق في التعاطي مع الفكرة الوطنية.
شهدت المدينة احتفالات ومسيرات نظمها شبان زينوا أنفسهم وسياراتهم بالعلم العراقي.
فكرة الوطنية والانتماء للدولة العراقية حوصرت إلى حد بعيد في الأنبار بعد 2003، عندما دخل إليها تنظيم "القاعدة" الذي اتخذ من الصحراء الغربية الشاسعة نقطة انطلاق لشن هجمات على قوات التحالف الدولي آنذاك وقوات الجيش والشرطة العراقية.
نشط التنظيم وفرض أفكاره وأيدلوجيتيه على المجتمعات في مدن غرب العراق وشماله طيلة فترة وجوده هناك، وقتل الآلاف.
حجر الأساس في أفكاره هو رفض مفهوم الوطنية ووصفها منظوره بـ"صنم"، كما ينظرون للحدود بين الدول ذات الغالبية المسلمة "مؤامرة صليبية مزقت أرض الإسلام".
في تلك السنوات، كان الانقسام السياسي والمجتمعي في العراق على أشده خاصة بين 2006 -2008، أعوام الحرب الطائفية.
ومنذ 2003، كانت بعض الأصوات السياسية والدينية السنية ترفض الانخراط في أجهزة الدولة، ما أثر بشكل كبير على تمثيلهم السياسي فيها.
نتيجة تلك المشاكل المركّبة، خرجت فكرة إنشاء إقليم سني في العراق للعلن، وإن لم تكن الأنبار عاصمته فحتماً سيكون لها الثقل الأكبر فيه بسبب جغرافيتها الطبيعية وتكوينها المجتمعي والسياسي.
استّغل "داعش" الحال التي تفاقمت بعد تنظيم اعتصامات دامت لأشهر طويلة قبل 2014 في مدن السنة غرب وشمال العراق.
وعندما بدأت القوات العراقية المشتركة حرب استعادة هذه المدن، دفع السكان المدنيين تكلفة باهضة سواء في عدد القتلى أو النازحين أو الممتلكات المدمرة وخراب البنى التحتية.
لكن في أواخر 2017، بدأ تحول ما يظهر في الأنبار.
فالنائب وقتها، محمد الحلبوسي صار هو المحافظ.
يحمل الحلبوسي أفكاراً مغايرة عمن سبقوه.
إلى جانب الإعمار وتأهيل البنى التحتية ولملمة الخراب المعماري وتهيئة بيئة مناسبة لعودة النازحين، عمِل الحلبوسي على تقديم أفكار جديدة ومشروع سياسي مختلف.
وبعد توليه منصب رئيس البرلمان في 2018، صارت آثار مشروعه تتجسد في الواقع أكثر في الأنبار بدرجة أساس.
عُمرت المدينة وعاد إليها أغلب من نزحوا عنها، وتغيّرت بالتوازي مع الحال الجديدة مفاهيم تأصلت في الفكر الجمعي وتحوّلت إلى النقيض في بعض الحالات، من الطائفية إلى الوحدة ومن الانزواء عن الدولة إلى الانخراط فيها.
قال الحلبوسي في أكثر من مرة إن مصير العراقيين مشترك وواحد.
أمن البصرة أمن للأنبار وبالعكس، هذه الفكرة تحدث عنها في أكثر من مرة.
قبل 2014 كانت الأنبار معقلاً للتنظيمات المتشددة، أما اليوم فشكلها مختلف جذرياً.