تبدأ أم عقيل التي تشارف على الأربعين من العمر، يومها بجولة سريعة في الطرق المحاوطة لبيتها في قضاء بلد في صلاح الدين وحول الطرق أيضا من أجل جمع العلب المعدنية والتي توفر لها ولعائلتها قوت يومها.
تعتاش أم عقيل وزوجها وأطفالها الخمس على جمع العلب المختلفة وبيعها مقابل ألف دينار عراقي لكل كيس يحوي مايقارب الـ30 علبة معدنية إلا أن شظف العيش هذا ما يشغل بالها كما يشغله حال أطفالها المدمنين على شم وقود البنزين.
بداية النزوح
بدأت القصة من منطقة الفرحاتية غرب قضاء بلد في صلاح الدين والذي اضطرت نفوسه إلى النزوح عام 2014 إبان سيطرة تنظيم داعش على عدد من المحافظات العراقية، لينتهي بهم في أقضية ونواح مختلفة وحتى في محافظات أخرى.
أم عقيل وعائلتها انتقلت من الفرحاتية نحو ناحية يثرب لتتخذ من مخيم هناك مسكنا لها ولأطفالها لتنتقل بعد إقفال المخيم نحو قضاء بلد.
وقالت أم عقيل لـIQNEWS: "جراء ماحدث من تنقلات وظروف اقتصادية صعبة عانى زوجي من 7 جلطات دماغية، انتهت بعدم قدرته على العمل واعتلال صحته بشكل قوي مما تركني انا المعيل الوحيد لاطفالي الخمس وزوجي، وبعدها اكتشفت ان طفلي الرابع في الترتيب بين اخوته الخمس قد أدمن شم البنزين عن طريق وقود المولد الكهربائي الخاص بالجيران، حيث لاحظت انه يعمد الى دفن انفه في فتحة الوقود ولساعات طويلة وكلما حاولت ابعاده بدأ بالصراخ".
الحالة تطورت الى ماهو ابعد، تقول أم عقيل "بعدها أصبح كل اطفالي مدمنين ولايستطيعون ترك قناني البنزين الصغيرة أبدا سوى في النوم ماعدا طفلي الرابع والذي ادمن الى الحد الذي جعله لا يستطيع ترك الوقود حتى في نومه".
أم عقيل تابعت "لا أعلم ما الحل، في حادثة اضطررت الى اخذه الى المشفى العام في صلاح الدين لإجراء عملية الزائدة الدودية الا أن الطبيب كرر سؤاله لي حول السبب الذي يجعل المادة المخدرة قبيل عملية الزائدة لا تعمل على جسد طفلي حتى اضطر الى تكرار العملية أربع مرات الا انني خجلت من الامر ولم استطع ذكر انه مدمن على شم البنزين".
ما تأثيرها على الصحة؟
وبما ان طرق الادمان كثيرة يؤكد الدكتور عمر زحام العبيدي اختصاصي طب الاطفال وحديثي الولاده أن الادمان هو قتل بطيء لمستقبل الانسان اما بالنسبة للاطفال فيخلق شخصا غير سوي والذي قد يبدأ بالبنزين وينتهي بادمانه لامور اخطر.
وتحدث الدكتور عمر لـIQNEWS قائلا "الادمان بكل صوره المتنوعة ،ابتداء من ادمان المسكرات العقلية سواء كيميائية مثل إدمان بعض الأدويه كالترامادول او الكابتجون او الادمان الكحولي والذي يدخل إدمان شم رائحة البنزين او النفتالين او الاسيتون ضمنه وانتهاء بإدمان نوع معين من الأكل وخاصة الوجبات السريعة والحلويات وادمان الالعاب الالكترونية او استخدام الهواتف الذكية، بكل صوره هذه قد ينتج عنه مخاطر جمة حيث ان لكل نوع له تأثير عضوي ونفسي لا يقل خطورة عن الثاني ويأتي إدمان المواد الكيميائية، والذي قد يكون نادرا بين الاطفال، بالمرتبة الاعلى بالخطورة خاصة وان نتائجه العكسية سريعة وصعبة المعالجة".
وتابع "البنزين هو من المركبات العضوية ويحتوي على الهايدروكاربون في مركباته واستنشاقه يوصل نسبه الاوكسجين الى مستويات قليله تجعل المستنشق يعاني من الخدر وفقدان الاتزان الأمر الذي قد يستخدمه البعض كنوع من المخدر في المناطق الفقيرة وهذا طبعا ينطبق على باقي المواد المذكورة".
وزاد ان هذا النوع من الإدمان خطر جدا خاصة على الاطفال لفقدانهم الارادة على تركه كما وان آثاره أيضا خطيرة حيث يسبب شم البنزين للأطفال التهابات رئوية والتهاب المريء وحرقة في العين وتلف العصب البصري ونقص الاوكسجين في الدم والقيء المصاحب بالدم وقد ينتهي الامر بجرعة استنشاق عالية قد تؤدي إلى الاختناق والوفاة.
وضع مزرٍ
الناشط المدني من صلاح الدين محمد السامرائي يرى ان المتابعات تؤكد أن وضع الوضع الخاص بالأطفال وحقوقه في العراق مزر وخاصة في صلاح الدين.
وقال لـIQNEWS إن "الأوضاع الاقتصادية في محافظة صلاح الدين وبسبب المعارك التي عانتها المحافظة تسبب بزيادة عمالة الاطفال والاستجداء وزج العوائل لاطفالها في سوق العمل مبكرا الامر الذي قد يطرح على الساحة بسبب هذه الظروف التي قد تؤدي الى اغفال العائلات عن متابعة أطفالها وبالتالي قد يشكل تحديد الانجاب بطفلين او ثلاثة على أكثر تقدير حلا لعدة مشكلات خاصة وان التركيز على طفلين اقوى من التركيز على اربعة اطفال معا".
وبين السامرائي خلال حديثه أن "المؤسسات الخاصة بحماية الأطفال في العراق قليلة ومبادراتها لرعاية الأطفال خجولة، لذا فإن العنف الذي عاصرته هذه الشريحة قيدها بحقوق ضعيفة وإن أردنا انصافها فيجب الاهتمام بجانب التعليم والتربية والقضاء على تسرب الأطفال والرعاية الصحية أيضا".