منذ انتخابه نائباً عن محافظة البصرة، عُرف مصطفى سند بجرأته وخلفه جمهور داعم هناك يشعر بأن هذه المحافظة وفيرة النفط وأمراض السرطان معاً لا تحصل على حقوقها المالية في الموازنات العامة للدولة.
الشعور بالغبن سائد في هذه المدن الجنوبية والوسطى منذ عقود، ولا يجد الكثير من السكان هناك تفسيراً محدداً عندما يقارنون واقعهم الخدمي والاقتصادي بمدن إقليم كردستان.
والآن، بدا مصطفى سند محبطاً وهو يكشف عن أسباب لهذا التمايز.
وقال في لقاء متلفز أجري معه مؤخراً، وتابعه موقع IQ NEWS، إن هناك اتفاقات سرية بين "الإطار التنسيقي" المشكّل للحكومة الحالية، وبين القوى الكردية الحاكمة لإقليم كردستان تتضمن ليس منح الإقليم حصة في الموازنة المالية، يراها هو غير عادلة أو على الأقل يجب ضبطها بقانون يلزم أربيل بدفع واردات النفط المحددة لبغداد مقابل ما تحصل عليه.
بل أن هناك، كما يقول بنوداً تتضمن صرف 400 مليار دينار لكردستان فوق حصتها في الموازنة.
وعندما حاولت اللجنة المالية النيابية، بحسب سند، تقييد هذه البنود بالقانون، ردّ ممثلو القوى الكردية بأن هذا اتفاق مع "الإطار التنسيقي" وستعود البنود مجدداً حتى لو ألغتها اللجنة المالية.
وقال مصطفى سند إن لجوءه للإعلام هدفه التوضيح للرأي العام حتى يتجنب اتهامه بالسكوت، وما تطرق إليه تردد بصيغة أسئلة محمّلة بمشاعر غياب الإنصاف في جنوب ووسط العراق.
فمنذ 2003، تملك القوى الكردية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني سطوة على القوى الشيعية الحاكمة بما فيها تلك التي تظهر مواقف التحدي في أوقات الأزمات.
أسباب ذلك كثيرة منها العلاقة التاريخية بين هذه القوى العائدة لفترة معارضة نظام صدام حسين، إضافة إلى إدراك القوى الشيعية أن في أربيل شخصية اكتسبت من طبيعة الجبال عناداً في التفاهم على ما تشعر أنه حق لها، وهذه سمات يكتسبها الفرد من بيئته الجغرافية حسبمّا يفصل علماء الاجتماع.
مجمل الكرد هكذا، وليس في أربيل من يمكن شراؤه بسهولة أو السيطرة عليه بالمغريات، فالتاريخ هناك ماثل للعيان دوماً وأي شخص معرّض لفقدان قيمته الاجتماعية والسياسية فقط لو أطلق عليه الناس لقباً من صنف كلمة "جحش" وهي الوصمة التي تلحق بالكردي الذي يعمل ضدّ مصلحة الكرد عموماً أو يفضّل الآخرين عليهم.
حتى عندما تكون هناك خلافات داخلية وإن احتاج طرف إلى معونة طرف غير كردي فإنه لا يتنازل عن مصالحه القومية، وخاصة ما يرتبط بمعيشة الجمهور.
أما في مدن غرب العراق السنية، فالحال اليوم مختلف.
"الإطار التنسيقي" اتفق مع حزب تقدّم بزعامة محمد الحلبوسي المنخرط في تحالف السيادة، أكبر القوى السنية، على بنود تخصّ المدن والمحافظات المستعادة من تنظيم "داعش" لتثبيت الاستقرار فيها وإعمارها.
لكنه تنصّل. أظهر الحلبوسي معارضته واتخذ مواقف عدة لكنه بدا وحيداً، ولم يكن "الإطار" ليمارس هذه السياسة لو كان السنة مثل الكرد.
والسبب هو وجود قادة سنة متأكدين من أن نجاح سياسة محمد الحلبوسي في تثبيت حقوق مدن غرب وشمال العراق السنية يعني حل أبرز المشكلات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية هناك، ويخشون من تكرار تجربة الأنبار التي غيّر واقعها ثم منحته غالبية مقاعدها النيابية.
هؤلاء، وبعضهم كانوا تجاراً ورجال أعمالٍ قبل دخولهم عالم السياسة، يحسبون الأمر كصفقة شخصية.
إطاحة محمد الحلبوسي بأي ثمن وأي اتفاق هو النجاح الشخصي الذين يسعون له.
ومما لفت انتباه المتابعين، هو أن هؤلاء القادة السنة لا يملكون مشروعاً واضحاً أو خطة تحمل بصماتهم حتى لتحقيق ما يطمحون له، بل ينتظرون من القوى الشيعية أن تفعل ذلك.
تملك بعض القوى الشيعية أسبابها الخاصة أيضاً لفعل هذا، ومرةً قيل من داخل الأروقة السياسية، إن هذه القوى لا تريد قائداً سنياً قوياً يعمل وفق مشروع يتعدّى ما عُرف عن الكثير من ساسة العراق بعد 2003 حول تفضيل المصالح الشخصية والحزبية.
وما بات يعرفه السكان في مدن وغرب العراق المتصلة بصحراء كبرى، ويظهر من خلال أحاديثهم في مواقع التواصل، هو أن مشاريع الحلبوسي للإعمار وتثبيت الاستقرار، يقابلها تحركات مضادة تأتي سريعة، بما في ذلك تهديده شخصياً وإطلاق القذائف نحو مقر سكنه في الكرمة، وحالياً إعلان النية لعزله.
ومن نظريات علم الاجتماع أيضاً، أن الصحراء تنبت لدى الفرد المقيم فيها أو حولها، صلابة وبُعد نظر وتمييز فاقع.