"إنسان مضرج بالدماء، يئن طالبا المساعدة، والمارة يخشون الاقتراب منه"، مشهد يحصل أمام الكثيرين ويصيبهم بالرهبة إلى درجة تتسمر أرجلهم ولا يجرؤون على تقديم المساعدة، والسبب عزوف عن العون خشية الوقوع بالأسوأ.
في الفطرة عادة ما يخفق قلب الإنسان ويتوق الى تقديم المساعدة لنظير له ملهوف أو يمر بمأزق يصعب الخروج منه بمفرده، وقد يكون مهددا بالموت، لكن مهلا، ذلك مجرد صورة مثالية لا تحصل في الكثير من الأحيان تجنبا للمرور بدوامة من الملاحقات العشائرية والقانونية، وثمة قانون غير مكتمل يمكنه علاج الظاهرة إذا رأى النور، ويصون "حق الحياة" الذي تؤكد عليه الأديان السماوية والمواثيق الدولية والدستور.
قانون في رفوف قانونية البرلمان
يسعى مجلس النواب لتشريع قانون "حماية المسعف"، والذي طرح على البرلمان قبل أكثر من عام، لكنه لم يعرض للقراءة حتى الآن، كونه مازال أمام أنظار اللجنة القانونية النيابية لتدقيقه وقد يتم التصويت عليه قريبا، بحسب رئيس لجنة متابعة البرنامج الحكومي النيابية النائب حازم الخالدي.
ويقول الخالدي في حديث لـ IQ NEWS، إن "قانون المسعف التطوعي يعد من القوانين المهمة والتي ينبغي تشريعها للمساهمة في زيادة التعاون وحماية المسعف التطوعي من المساءلة القانونية والعشائرية، خاصة وأن الكثير من حالات الوفيات التي تحصل من الحوادث العامة سببها ابتعاد الناس عن المساعدة وتقديم يد العون للمحتاجين خشية المساءلة".
من جهتها طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، مجلس النواب بالإسراع بإقرار قانون حماية المسعف بما يضمن حماية المسعفين وإنقاذ المواطنين وتقليل عدد وفيات حوادث السيارات، خاصة وأن الكثير من المسعفين يعزفون عن تقديم العون خوفا من الملاحقة القانونية والعشائرية.
لمحات من القانون
ورد في مسودة القانون وفقا لما جاء في الأسباب الموجبة توفير الحماية القانونية لِكل من يَسعى إلى إنقاذ أو إسعاف من يَتعرض إلى الخطر أو الموت لتَشجيع المبادرة الإنسانية وللتقليل من حالات الإحجام عن تَقديم المساعدة الإنسانية خشية التعرض للملاحقة القانونية أو العشائرية.
وجاء في المادة الثانية من مسودة مشروع القانون توفير الحماية القانونية لكل شخص يقدم مساعدة إنسانية إلى أي شخص من أجل إنقاذ حياته، ومنع المطالبات العشائرية التي تواجه المسعف التطوعي أو المنقذ، والحد من تزايد حالات الامتناع عن الإغاثة وتقديم المساعدة إلى كل من يحتاج إلى ذلك، وإلزام المؤسسات الصحية بمعالجة المصاب وإسعافه حال وصوله دون انتظار الإبلاغ عن الحادث لجهة الضبط القضائي.
وفي المادة الرابعة "يعاقب بالسجن المؤقت كل شخص يهدد أو يلوح أو يشرع باتخاذ الإجراءات العشائرية ضد المسعف التطوعي أو المنقذ".
ضرورة ملحة
رئيس شبكة "فعل" المدنية العراقية الحقوقي عبد الحسن الخفاجي يرى أن هناك ضرورة ملحة لتشريع قانون يحمي المسعف، وضرورة القيام بأنشطة مكثفة للضغط على المشرع للتعجيل بإقرار القانون، خاصة وأن منظمة "فعل" تبنت أنشطة وحملات مدافعة بهذا الخصوص.
ويقول الخفاجي في حديث لـIQ NEWS، إن "أهمية تشريع القانون تأتي نظرا لكثرة الحوادث المرورية والعرضية التي يذهب ضحيتها مئات الآلاف سنويا، وكون حق الحياة من الحقوق الأساسية التي نصت عليها الأديان السماوية والمواثيق الدولية والدستور العراقي".
ويوضح الخفاجي، أن "كثيرا من حالات الوفاة تحدث نتيجة لعدم نقل المصاب إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات الأولية والعلاج من قبل المواطنين، خوفا من تحملهم المسؤولية القانونية والعشائرية بسبب عدم وجود قانون يوفر الحماية اللازمة لهم، ولابد من تشريع قانون حماية المسعف التطوعي والإسراع بإقراره من قبل مجلس النواب ليكون نافذا".
وعلى الرغم من وجود تشريعات نافذة تعالج قضية حماية المسعف في المادة (370) من قانون العقوبات العراقي، وكذلك المادة (111) وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (24) لسنة 1997 المتعلقة بالمسعف، إلا أنها لا توفر الحماية القانونية والعشائرية اللازمة للمسعف، بحسب المهتمين بالشأن القانوني.
ويواصل شيوخ العشائر في بغداد ومحافظات أخرى إعلانهم نبذ ظاهرة عدم مساعدة المصابين أو الإبلاغ عن الحوادث، لما تكبده المجتمع من خسائر بسبب هذه الحالة التي تحولت إلى ظاهرة.
وفي وقت سابق وقع عدد من رؤساء العشائر في المحافظات الوسطى والجنوبية وثيقة عهد لحماية المسعف التطوعي من الإجراءات العشائرية والقانونية بهدف إنقاذ المواطنين من حوادث السير والطرق ونقلهم إلى المستشفيات كلما اقتضت الضرورة.