"بعد تخرجي بتقدير جيد جدا من كلية الهندسة الزراعية وحصولي على شهادة أخرى باللغة الانكليزية، أعمل الآن في أحد المراكز التجارية (المول) وسط السليمانية كبائعة".
بهذه العبارات الممتزجة بمرارة، تحدثت بناز تقي (25 عاما) عن الأعوام الثلاثة التي قضتها بعد التخرج وهي تبحث عن فرصة للتوظيف في مدينتها السليمانية، إلا أن "رحلة البحث هذه لم تصل الى الهدف، على الرغم من إتقاني ثلاث لغات هي الكردية (اللغة الأم) والعربية والانكليزية".
وتقول بناز، خلال حديثها لـIQ NEWS، إن "مسألة التوظيف تخضع لمعايير خاصة لا تتوافر لدي، فأنا لا تنتمي لحزب سياسي، وليس لدي معرفة شخصية بمسؤول أو شخصية مرموقة في حكومة الإقليم ليتوسط لي، فلجأت إلى القطاع الخاص الذي من المفترض أن يكون العمل فيه قائماً على الكفاءة والمحصلات العلمية، لكن عندما ذهبت إلى شركة خاصة لتقديم سيرتي الذاتية، وطلبت منهم العمل شعرت وكأن أستجدي منهم فرصة العمل فأصحاب الشركات لا يجيبون على الطلب الا بعبارة مقتضبة ومكرورة: "سنتصل بكِ قريباً"، لكنهم لا يفعلون".
ليست بناز وحدها من خاضت رحلة البحث غير المجدية عن عمل، فصديقاتها اللواتي يحملن شهادات مختلفة مثل البكالوريوس في الهندسة الزراعية واللغة الإنجليزية والقانون والهندسة الكيمياوية والمحاسبة، شاركنها في الرحلة الخائبة.
وتشهد مدن إقليم كردستان، وفي مقدمتها السليمانية، تظاهرات بين فترة وأخرى، احتجاجاً على انعدام فرص التوظيف ومشاكل أخرى يعاني منها شعب الإقليم حتى صار الحديث عن "ربيع كردي" أمراً شائعا، شأنهم في ذلك شأن بقية الخريجين العراقيين في المحافظات الأخرى، ممن لا ينتمون لأحزاب سياسية ولا تربطهم صلة قرابة بمسؤول حكومي أو حزبي.
وخرج المئات منهم في كانون الثاني الماضي، باحتجاجات غاضبة في مدينة السليمانية، سقط خلالها قتلى وجرحى في صفوف المحتجين.
من جانبه، يقول شرام حسن، وهو مواطن من السليمانية عاطل عن العمل رغم تخرجه منذ عامين إن أكثر من 72 ألف خريج بلا وظيفة انخرطوا في تجماعات على مواقع التواصل الاجتماعي لمناقشة تنظيم تظاهرات توصل صوتهم إلى حكومة الإقليم "لكننا لم ننجح في ذلك".
"الانتماء لحزبي بارزاني أو طالباني شرط أساس"
"من المفترض أن لا يكون هناك تمييز بين المتقدين للوظائف الحكومية في الإقليم لكن المحسوبية والمنسوبية للأحزاب الرئيسة هي المطبقة على أرض الواقع، فالمحاصصة بين الحزبين (الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي) تشكل اساسا رئيساً لقبول المتقدمين للوظائف في القطاعين العام والخاص"، يقول رئيس كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني في برلمان إقليم كردستان شيركو جودت.
ويضيف جودت في حديثه لـ IQ NEWS أن "هذا هو أحد طرق الفساد الإداري الذي أدى إلى وضع عوائق أمام جعل الشخص المناسب في المكان المناسب وبالتالي أثر على أداء الحكومة وموظفيها الذين أصبحوا ورقة لكسب الولاءات الانتخابية".
"مكتفون بما لدينا"
في المقابل، يقول سمير هورامي، المتحدث باسم نائب رئيس وزراء الإقليم قوباد طالباني، إن حكومة كردستان مكتفية حالياً بموظفيها، مضيفاً أن "نظام التوظيف الحكومي بكردستان مقفل منذ سنوات لذا لا توجد أية محاصصة في قبول المتقدمين".
وأشار هورامي إلى أن "حكومة إقليم كردستان قررت عام 2016 وقف قبول موظفين جدد على ملاكاتها الدائمة واستثنت خريجي كليات الطب البشري فقط لأن الإقليم مكتفٍ بما لديه من موظفين"، مبيناً في حديثه لموقع IQ NEWS، أن "عدد الذين يتسلمون رواتب من حكومة الإقليم بلغ أكثر من مليون و215 ألف شخص، منهم 715 ألف و800 مواطن وموظف، والبقية هم فئات شبكة الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة".
واستدرك بالقول "هناك فرص توظيف ضئيلة لخريجي كلية التربية لأن الإقليم يحتاج أحياناً إلى مدرسات للغة العربية وبقية الاختصاصات للمدارس العربية هنا".