في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، التي ورد اسمها في الكتاب المقدس، تحتل أربع كنائس تمثل طوائف مختلفة ساحة صغيرة تحيط بها بيوت غير مرتفعة، فيما تمثل شهادة على الدور الذي لعبته الطائفة المسيحية التي ازدهرت في فترة من الفترات بالعراق.
واليوم لحق الدمار أو أضرار بالكنائس الأربع، بعد أن احتل مسلحو تنظيم داعش المتشدد المدينة من 2014 إلى 2017، وانتهكوا حرمة العديد من المباني واستخدموها في إدارة شؤونهم، بل وجعلوا أحد المباني سجنًا، ومبنى آخر مقرًا لمحكمة شرعية.
وتكفلت الضربات الجوية التي شنتها القوات العراقية على الجماعة المتطرفة، في اشتباكات ضارية بالباقي. وتظهر على المباني التي لا تزال قائمة، آثار طلقات الرصاص والشظايا.
وقال نجيب ميخائيل، رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة الكلدانية، عن ساحة الكنائس: ”كانت أشبه بقدس سهول نينوى“. وساحة الكنائس هو الاسم الذي أطلق على الموقع الذي سيزوره البابا فرنسيس، في السابع من مارس/ آذار، خلال زيارة تاريخية للعراق.
ويتذكر ميخائيل بإعزاز، كيف كان مسيحيو العراق من مختلف الطوائف، يتبادلون حضور المراسم الدينية في الأعياد المختلفة، قبل الاجتياح الأمريكي في العام 2003.
ولّت تلك الأيام، ولم تعد سوى كنيسة واحدة من الكنائس الباقية في الموصل، تنظم قداس الأحد للسكان المسيحيين الذين تضاءل عددهم إلى بضع عشرات من الأُسَر، بعد أن كان حوالي 50 ألف شخص.
وكان المسيحيون يتمتعون بالحرية في أداء شعائرهم الدينية، غير أنهم تعرضوا للاضطهاد على يدي تنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش، وأصبح عددهم في العراق الآن حوالي 300 ألف، أي حوالي خُمس عددهم قبل 2003.
وعاد البعض بعد هزيمة داعش، غير أن آخرين لا يرون حتى الآن إمكانية البقاء في العراق، ويتطلعون للهجرة.
ألغام وذكريات
تقع الكنائس الكاثوليكية السريانية والأرثوذكسية السريانية والأرثوذكسية الأرمنية والكاثوليكية الكلدانية، جنبًا إلى جنب في الساحة ذات الأرضية الترابية وحولها. والآن أصبحت المنطقة كلها أطلالًا مثل مناطق أخرى في المدينة.
ومن المقرر أن يقيم البابا الصلاة على أرواح ضحايا الحرب في حوش البيعة، المعروف باللغة الانجليزية بساحة الكنائس، في إطار رحلة تستمر أربعة أيام، وتبدأ في الخامس من مارس/ آذار. ووصف رئيس الأساقفة ميخائيل، الزيارة بأنها رمز ذو قيمة كبيرة ورسالة أمل.
وقال ميخائيل: ”حيث سقطت الحجارة بسبب العنف ستكون هناك حياة على الدوام“.
وينهمك العمال في تنظيف الموقع، قبل وصول البابا فرنسيس.
وبتمويل من دولة الإمارات، تعمل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على ترميم كنيسة الطاهرة الكاثوليكية، بالتعاون مع شركاء محليين، وقد بدأت أعمال الترميم في 2020.
وأشار أنس زياد، مساعد منسق الموقع من اليونسكو في العراق، وهو يحمل صورًا للكنيسة قبل تدميرها، إلى نقوش سريانية دقيقة على قطع رمادية من المرمر.
وقال زياد، إن الكنيسة التي ألحق بها تنظيم داعش أضرارًا، قبل أن تهدم الضربات الجوية سقفها، كانت الشرطة الدينية في التنظيم المتطرف، تستخدمها مقرًا للمحكمة الشرعية.
وما تزال الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية المجاورة التي تعلوها قبة مميزة، مغلقة أمام عامة الناس.
وقال زياد: ”لم يتم نزع الألغام منها بعد“، مشيرًا إلى الباب المغلق المؤدي إلى الكنيسة، التي كان تنظيم داعش يستخدمها سجنًا.
وقال رئيس الأساقفة ميخائيل: ”داعش استخدم كل الكنائس تقريبًا في الموصل“.
وقال علي سالم، من الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق، وهو يقف بجوار قطعة لحقت بها أضرار من المرمر المنحوت على هيئة السيدة مريم العذراء، إن فريقه يدرس العديد من هذه الآثار لتحديد ما يمكن ترميمه منها واستخدامه من جديد.
قال زياد: ”أفخر كمسلم بالمساعدة في إعادة بناء هذه الكنائس“ معربًا عن أمله ”أن نرى المسيحيين يعودون لهذه الأماكن حتى نعيش معًا من جديد، مثلما كان الحال على مر القرون“.