بعد نحو عام ونصف من الرجاء والتوسل والبكاء، أسكت، مساء الأربعاء (10 اذار 2021)، مسلحان يستقلان دراجة نارية صوت "أبو أحمد الهليجي"، والد المحامي والناشط الميساني المغيّب علي جاسب وبطلقات نارية وسط مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان.
وعرف الهليجي، الذي يهوى كتابة الشعر الشعبي، بمناشداته الكثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، للسلطات وشخصيات دينية، آخرهم البابا فرنسيس، لتحري مصير ولده الذي اختطف مساء 8 تشرين الأول 2019 على مرأى كاميرات المراقبة في أحد شوراع مدينة العمارة.
وجرى اختطاف علي بينما كانت مدينته الجنوبية تشهد تظاهرات شعبية، مثل مدن الوسط والجنوب حينها، منددة بالفساد وتطالب بتغيير الطبقة الحاكمة منذ عقود، وسقط خلالها حوالي 800 قتيل وآلاف الجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية.
الأخبار الواردة من العمارة بشأن حادثة مساء اليوم لا تتضمن تفاصيل كثيرة، عدا أن مسلحين على دراجة نارية أطلقوا النار باتجاه "أبو أحمد الهليجي" فأردوه قتيلاً في منطقة المعارض وسط العمارة.
على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرف قصة "أبو أحمد" وتتفاعل مع مناشداته المتكررة، شاع أن الحادث وقع عندما كان الأخير عائداً من عزاء أقامته عائلة الناشط عبد القدوس قاسم الذي اغتيل في 10 آذار 2020 بمدينة العمارة مع زميله كرار عادل، وكانا من المشاركين في تظاهرات تشرين.
وبعد نحو ساعة على اغتيال الهليجي، نشرت شرطة ميسان بياناً قالت فيه إن مواطناً قتل في المدينة نتيجة خلاف عشائري وإن 5 من المشتبه بهم جرى اعتقالهم، لكنها لم تذكر اسم الضحية.
وأضافت، أن "الحادث جنائي وسببه وجود خلافات عشائرية ودعاوى قائمة قبل وقوع حادث قتل المجنى عليه وأطراف آخرين، وأن القضية قيد التحقيق حتى الوصول الى مرتكبي الجريمة ومعرفة دوافع الحادثة"، وهو ما لم يقتنع به كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي وزاد من غضبهم.
وبعد مدة قصيرة على البيان الأول، أعلنت قيادة شرطة ميسان في بيان آخر "القاء القبض على المتهم المتورط بالاغتيال حسب ادعاء وتشخيص أهل المجني عليه"، ونشرت صورة تظهر شخصاً معصوب العينين ومقيداً إلى الخلف ووجهه على حائط تعلوه لافتة تتضمن اسم المركز الأمني المحتجز فيه وهو محاط بشرطيين.
وفجأة، حذفت القيادة البيانين من صفحتها على فيسبوك، دون معرفة الأسباب.
في حوادث سابقة، عزت الأجهزة الأمنية حوادث قتل طالت ناشطين مشاركين في تظاهرات تشرين إلى "خلافات" أو "ثأر عشائري"، وعادة ما كانت تضمّن هذه البيانات تعهدات باعتقال الجناة و"تحقيق العدالة"، ثم لا تعود للحديث عنها.
"ربما سيلتقي بولده.."
في لقاء متلفز أجري معه العام الماضي، تحدث "أبو أحمد" عن شعوره وعائلته باليأس وخيبة الأمل بعد مناشداته غير المجدية، على امتداد نحو سنة، للسلطات والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وعن عدم تحقق أمنيتهم طيلة هذه الفترة بأن "يستيقظوا مرة في الصباح ويجدوه معهم في المنزل".
وفي منتصف حديثه في اللقاء، انعطف الهليجي في كلامه ليقرأ أبياتاً من الشعر الشعبي قائلاً:
"علاوي عطشن عيوني على اطولك.. بالصور ما يرتوّن
كوم طفي النار يبني ضلوعي يعليوي دوّن
بكلبي ألف يعكوب يبجي وألف ذيب البيه عوّن
بكلبي ألف يوسف عشكته وألف مثل ازليخة وّن".
ثم غلبته الدموع، وقال: "الابن فوق الكرامة.. فوق كل شيء. لا يحس بها إلا الفاقد.. فليتشمتوا.. الألم بداخلي ولا يهمني اذا شمتوا وتساءلوا لماذا أبكي.. أبكي لأنني مكسور"، راجياً من المتظاهرين أن يرفعوا صور ولده عندما خرجوا يوم 25 تشرين الأول الماضي لإحياء الذكرى الأولى لتظاهرات تشرين، "حتى نقول أن هناك من يداعي بابننا".
كانت المناشدات والشكاوى التي يبثها "أبو أحمد" على مواقع التواصل تلقى صداها عند المتعاطفين وكان بعضهم يقارن بين هيئة الرجل قبل وبعد اختطاف ولده والتغير الذي طرأ على ملامحه، فيما كانت المقاطع التي يصوّرها مع أطفال ابنه المغيّب تثير حزناً واسعاً.
وما إن تداولت صفحات على هذه المواقع نبأ اغتياله مساء اليوم (10 آذار 2021)، حتى عبر المئات عن حزنهم لمقتل الهليجي تحت هاشتاغ #والد_المختطف_شهيد، ودعوا ليس لاعتقال القاتل المباشر وحسب وإنما لملاحقة "من أعطى الأوامر بقتله"، كما جرى تداول محادثة منسوبة له مع محامٍ، تفيد بأن جاسب حطاب، وهو اسمه، أقام دعوى قضائية بشأن اختطاف ابنه لكن لم يتسن لـ IQ NEWS، التأكد من صحة المحادثة أو تفاصيل الدعوى.
في إحدى المقاطع المصورة التي نشرها "أبو أحمد"، قال إن "أدلة وشهود وتقارير أمنية في محافظة ميسان ومحكمة ميسان تثبت تورط فصيل مسلح في اختطاف نجله" وإن حياته في خطر "وقد اتعرض اليوم للقتل، لكن لايهمّني لأنني مضيّع ولد.. وأناشد رئيس الوزراء أن يتدخل واريد أن اتشرف بمقابلة (معه) لأحدثه بكلام خاص".