ارتفعت حالات الانتحار بين صفوف الشباب في العراق على نحو مثير للقلق، بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وفي العام المنصرم فقط، جرى تسجيل (644) حالة إنتحار معظمها في بغداد، والسبب بحسب مختصين "خيبات الأمل" وتفشي البطالة وقلة الخدمات وصعوبة الحصول على سكن لائق.
أسباب عديدة
عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق الدكتور علي البياتي، أكد لموقعIQ NEWS، أن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الانتحار، بدأت اقتصادية وخاصة في العام الماضي حيث شهدنا ركودا اقتصاديا أثر على ثلث سكان البلاد أو مايعادل 14 مليون مواطن نتيجة هبوط أسعار النفط وإجراءات الحظر المنزلي الذي أدى إلى فقدان عدد كبير من الكسبة أعمالهم، أمام غياب الإجراءات الخاصة بدعم المواطنين، خاصة الفئات المتضررة.
ويقول البياتي، إن "الجانب الاجتماعي أثر أيضا من خلال قلة الحركة والاحتكاك داخل المنازل في المناطق الفقيرة والذين يعانون من مشاكل اقتصادية نتج عنها مشاكل نفسية أمام غياب الحلول الاجتماعية والنفسية التي يفترض أن تقدم من قبل مؤسسات الدولة الحكومية إلى جانب المشاريع التي تدعمها منظمات المجتمع المدني"، مبينا أن "غياب دور هذه المنظمات في تقديم المشورة الاجتماعية والنفسية لتقليل عبء الضغط النفسي على الشباب في مثل تلك الظروف، أوصل بعض الشباب إلى هذه المرحلة من اليأس وبالتالي إلى الانتحار، وكذلك البرنامج التي تتعامل مع هكذا نوع من الأفراد".
ويرى البياتي، أن "الحلول تكمن في أخذ الموضوع بنظر الاعتبار من قبل مؤسسات الدولة وأصحاب القرار، ولابد أن تكون هناك تدخلات سريعة ودعم اقتصادي ومالي لهذه الطبقات من خلال منح مالية وسلات غذائية، وتقديم حلول اجتماعية ونفسية من قبل المؤسسات الحكومية والمنظمات المحلية وبدعم من المنظمات الدولية والجهات المانحة، وتطوير القطاع الطبي النفسي الذي يعاني الكثير سواء على مستوى البنى التحتية أو قلة الكوادر، وكل هذه السياسات والخطوات بإمكانها أن تعالج حالات الإنتحار، فضلا عن ايجاد آليات واضحة لأشغال الشباب من خلال برامج تدريبية تعليمية ثقافية تقدم من قبل مؤسسات معنية مثل وزارتي الشباب وكذلك التربية".
تفشي البطالة وحكم التقاليد
عالم النفس البرفسور قاسم حسين صالح يؤكد لموقع IQ NEWS، أن الأسباب التقليدية للإنتحار تتحد بثلاثة أولها تفشي البطالة في قطاع الشباب، ثم تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك العادات والتقاليد الاجتماعية المتخلفة.
ويقول صالح وهو مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية، إن "الذي حصل في العراق بعد التغيير عام 2003 أدى إلى ظهور أسباب جديدة للانتحار منها توالي الخيبات، ولأن للصبر حدود فإن البعض من الذين نفد صبرهم عمدوا إلى الانتحار بوصفه الحل الأخير لمشاكلهم، إضافة إلى الشعور بالحيف والندم، حيث تجري لدى بعض الشباب مقارنه بين شخصه وقدراته وقيمه وبين آخرين احتلوا مناصب بمؤسسات الدولة يقلون عنه خبرة وكفاءة وقيم، مصحوبا بشعور الندم على إضاعة الفرصة، فيعاقب نفسه بقتلها"، مبينا أن "الاكتئاب واليأس والوصول إلى حالة العجز من العوامل الأخرى التي رفعت نسب الانتحار، حيث أن الفرد يجد أن الواقع لا يقدم له حلا لمشكلته عندها يلجأ لإنهاء حياته بطلقة أو يتجرع السم أو قطع الشريان".
ويوضح صالح، أن "سبب كل ذلك هو فشل السلطة في العراق واستفرادها بالثروة، فما حصل أن الطبقة السياسية عزلت نفسها بعشرة كيلومتر مربع لتعيش حياة مرفهة وتركت الناس يعيشون حياة الجحيم".
مشاريع ممكنة لدعم الشباب
الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين يقول لموقع IQ NEWS ، إن "الدولة عليها التفكير جديا بدعم المشاريع الصغيرة للشباب مثل الورش والصناعات المنزلية والزراعة البسيطة ومشاريع النقل وغيرها من المشاريع ذات التكلفة البسيطة، كما عليها أن تسن القوانين وتتخذ الاجراءات الكفيلة بتسهيل انشاء هذه الوحدات الإقتصادية البسيطة إلى جانب منح القروض والتسهيلات المصرفية لتطويرها"، مبينا أن "هذه الخطوات تفتح أبواب عمل جديدة وتشجيع الشباب للتفكير بمشاريع أخرى للعمل والكسب المشروع".
ويتابع الأمين، أن "الدولة إذا كان لديها القدرة على إنشاء مشاريع ضخمة كالمعامل والمجمعات السكنية الضخمة أو مشاريع الانتاج الزراعي، فعليها المبادرة في ذلك لأن هذه المشاريع توفر الآف فرص العمل ولجميع التخصصات، وان لم تكن لديها القدرة المالية فيمكنها طرح فرص ضخمة للاستثمار الخارجي أو الداخلي، وتفتح من خلالها مساحات لعمل الشباب العاطل وكل هذه الخطوات تسهم في انخراط الشباب لسوق العمل والتفكير في ادامة حياتهم وتوفير سبل المعيشة لعوائلهم".
وكانت مفوضية حقوق الإنسان أعلنت تسجيل 644 حالة انتحار خلال العام الماضي، غالبها في بغداد والبصرة وذي قار ونينوى، بوسائل متعددة منها بإطلاق النار وبالشنق والسقوط من الأمكان المرتفعة، وكذلك بواسطة الحرق وإستخدام المواد السامة.
وأوضحت المفوضية، أن دوافع الانتحار تنوعت بين الأسباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، اضافة لعامل الفقر وتداعيات الحروب وتدهور واقع حقوق الانسان.