منذ انطلاق الاحتجاجات في تشرين الأول 2019 في عدد من المدن العراقية، كانت ذي قار تتصدر المشهد الاحتجاجي بشكل متواصل، حتى بعد هدوء التظاهرات ورفع خيام الاعتصام في المحافظات، كانت الناصرية وهي مركز المحافظة، هي آخر معاقل المحتجين، كما أنها تصدرت مشهد العنف والمواجهات الطاحنة مع القوات الأمنية.
وبينما كان الهدوء يخيم على المحافظات المحتجة وبالتزامن مع تفشي فيروس كورونا بعد آذار 2020، كانت الناصرية لا تزال غاضبة، وظلوا يخرجون بشكل متواصل، أعقبها ذلك موجة من الاغتيالات والاستهدافات لم تهدأ حتى مطلع العام الجاري.
لكن إزاء كل هذه الاضطرابات التي تشهدها ذي قار بشكل متواصل، ورغم المواجهات العنيفة التي حصلت بين فترة وأخرى، الا أن كمية السخرية التي رافقت الاحتجاج شكلت منعطفا في احتجاجات الناصرية، فعلى أرض الواقع يسخر المحتجون بعبارات وشعارات لافتة وفي مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر "التحشيشات" اليومية على ما يحدث يوميا.
سخرية شعرية
بدأت محاكاة الشباب بالسخرية خلال الاحتجاجات في وقت مبكر من التظاهرات وهي في أوجها، حيث كانت "الجوكًة" أو "الدستة" أول مبادرة من الشباب، وهم يخرجون هاتفين ضد النظام السياسي وضد القمع بأبيات شعرية يرددها المتظاهرون بطريقة ساخرة على شكل مجاميع منظمة، حيث حققت شهرة لافتة فيما بعد، حيث تداول مدونون ومتظاهرون مقاطع فيديوية على نطاق واسع.
الاحتجاجات التي لا ترافقها مواقف وحملة ساخرة بنفس الوقت، لا يمكنها أن تستمر بنفس الوتيرة، انطلاقا من أن الضحك والسخرية والفكاهة، طريقة احتجاجية فارفاق نكتة عابرة على ما يحصل من قمع، يمكنه أن يختصر الكثير من الأفكار، كما يقول الأكاديمي والباحث الإجتماعي علي العبودي.
ويضيف العبودي خلال حديثه لموقع، IQ NEWS، بأن "أغلب الاحتجاجات في العالم ترافقها أفكار احتجاجية ساخرة وناقمة بنفس الوقت، وتثير موجة من الاستهزاء والضحك كما هو الحال في الرسم الكاريكاتيري أو بإطلاق النكات بحق الطرف الأخر أو نشر صور معبرة عن حدث الاحتجاج أو إطلاق الأهازيج الفكاهية والغاضبة بنفس الوقت".
ويتابع، "كان للسخرية دور كبير في إظهار تسطيح التعليمات أو القرارات الحكومية المتعلقة بموقفها من الاحتجاجات، وهي أيضا تكسر الحواجز النفسية وبعض الخطوط الحمراء التي كانت لسنوات تشكل حاجزا كبيرا لأغلبية من المواطنين، وهذا ماشاهدناه من إسقاط صورة الرمز السياسي وصورة رجل الدين".
والمجتمع العراقي بطبيعته، ناقد وساخر كما يقول العبودي، حيث وجد نفسه في مواجهة مع السلطة، لاستخدام هذه التعابير الفكاهية، فمدن الجنوب بشكل عام ثائرة متمردة لا تؤمن بالدولة ولا بقوانينها، وهناك حالة فقدان الثقة بين السلطة والمواطن، وكل ما تقوله السلطة يؤول بشكل منافٍ للحقيقة، وهذا يعود لحالة من العداء بين الدولة والمواطن، وبالتالي تخرج ردود الأفعال بشكل متباين".
كسر للصورة النمطية
يؤكد المدون والمتظاهر صادق الفارس، أن "الاحتجاجات كسرت الصورة النمطية للسلطة والأحزاب والنظام السياسي القائم على المحاصصة والتوزيع السياسي للأدوار والمناصب للأشخاص أنفسهم منذ سنوات طويلة، وبالتالي فان احتجاجات الشباب لا يمكنها أن تكون كافية بدون استهزاء وسخرية وصناعة ضحك متواصل ضد النظام بشكل عام وهو شيء جيد بالنسبة لنا لإستفزازهم".
يضيف الفارس خلال حديثه لموقع IQ NEWS، بأنه "منذ أول يوم من التظاهرات كانت اللافتات الساخرة جزءا مشرقا من الاحتجاج رغم العنف الذي حصل مع المحتجين، لكن ما يفعله الشباب يفوق التوقع، مواجهة العنف بالسخرية والسلمية، والسخرية هي الأكثر قوة، فعلى سبيل المثال يقف متظاهر يحمل لافتة ساخرة من القمع وهو يعبر عن طبيعة المطالب التي يطرحها الشباب واستخدام روح الفكاهة تبدو لافتة ومميزة أكثر".
النقمة الاجتماعية في الناصرية تبدو أكثر من غيرها بسبب طبيعة السكان هنا وحجم المعاناة التي يعيشها الناس، بحسب حديث الفارس، والكثافة البشرية ونسبة العاطلين عن العمل، كلها تساهم في أن تكون ردة فعلها غير متوقعة وتستخدم السخرية على نطاق واسع في الاحتجاجات، وهذا ما شاهدناه في اخر تظاهرة طالبت بإقالة المحافظ السابق ناظم الوائلي، وكيف أنهم كانوا يستخدمون الفكاهة".
الى ذلك، يقول المدون باسم العبودي، لموقع IQ NEWS، بأن "التظاهرات الاخيرة في الناصرية ورغم مارافقها من عنف وسقوط 8 شهداء وأكثر من 270 جريحا، كانت تسخر من الحكومة المحلية، حيث عمدوا المحتجين الى اغلاق الشوارع والجسور بالإطارات المحترقة على مدى أيام وسط هتافات فكاهية تندد بالمحافظ".
وكانت الناصرية مليئة باللافتات الشعبية التي تسخر من المسؤولين خلال الاحتجاجات وخلال التصعيد، وبين أونة وأخرى يحشد المحتجون والمدونون على التظاهر وهم يرفعون لافتات كير تندد ما يحصل.