في إحدى زوايا حادثة إلقاء أم بطفليها إلى نهر دجلة من على جسر الأئمة ببغداد قبل أيام ليلقيا مصرعهما نتيجة خلافات بين الزوج وزوجته المنفصلين عن بعضهما، والتي أثارت موجة استنكار وحزن محلي وعربي، كانت الشرطة النهرية حاضرة، ويتتبع الجميع حركة مفارزها وغواصيها الذين غاروا عميقاً في النهر لاستخراج الجثتين.
ومع انتشار صورة لغواصٍ من الشرطة النهرية لحظة خروجه من النهر حاملاً جثة الطفلة "معصومة" وهو يجلس متربعاً ويتطلع الى وجهها المزرق بأسى، وزع المتفاعلون مع القصة تعليقاتهم بين استنكار ما فعلته الأم وبين الإشادة بالرجل الغواص، قبل أن يتم استخراج جثة الطفل الآخر "حر" مساء الخميس (22 تشرين الاول 2020)، فما هي الشرطة النهرية، وما هي واجباتها وماذا يعلق في ذاكرة بعض ضباطها من حوادث أليمة مماثلة لم تتحوّل إلى رأي عام؟
"تقوم الشرطة النهرية بمهام عديدة، منها حماية المنطقة التي تقع فيها الأنهر، وكذلك الجسور، وتتوزع مقارها على طول نهر دجلة في بغداد، ومن ضمن مهامها انقاذ الغرقى أو انتشال جثثهم، بينها جثث منتحرين"، كما يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد خالد المحنا.
ويضيف المحنا لـ IQ NEWS، متطرقاً إلى حادثة الطفلين معصومة وحر (اللذين القت بهما والدتهما إلى النهر) "كان العثور على الجثتين عملية شبه مستحيلة لانعدام الرؤيا داخل النهر وانحدار جثث الأطفال سريعاً لمسافات بعيدة، فكانت عملية بحث معقدة، لكن خبرة الغواصين ذللت المهمة".
منتسبو الشرطة النهرية هم عناصر شرطة ينتسبون الى سلك وزارة الداخلية، وهم مدربون على السباحة والغوص، بعضهم غواصون أصلاً التحقوا بهذه المديرية بعد تطوير وتدريب مهاراتهم، بحسب المحنا.
وترتبط الشرطة النهرية بسيطرة شرطة النجدة الأساسية، حيث يتزود عناصرها بالمعلومات ويكلّفون بالواجبات، كما يوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية "ولكونهم يرابطون أسفل الجسور فهم يعالجون حالات انتحار كثيرة بحركة سريعة عندما يرون الحالة، فضلاً عن تسييرهم بدوريات مستمرة في النهر لمنع جرائم ومنع السباحة".
"في الصيف تكثر المتاعب"
يستذكر الغواص أحمد علي، وهو ضابط برتبة رائد في الشرطة النهرية حادثة مؤلمة عاينها في العام الماضي، إذ ألقت امرأة بنفسها مع طفليها الاثنين إلى النهر، قائلاً إن "الانتحار الجماعي هو أسوأ الحوادث التي تمر علينا".
ويقول علي، الذي يشغل منصب مساعد آمر مركز تدريب الشرطة النهرية، لموقع IQ NEWS "خلال الصيف نتابع حالات الغرق، فبعض الشبان الطائشين يغامرون بالسباحة، ولكن واجبنا هو انقاذهم فيما لو غرقوا، كما تقع حالات انتحار عديدة، سواءً لذكور أو اناث"، مبيناً أن "90 بالمئة من محاولات الانتحار التي تتم عبر الارتماء في النهر نقوم بإحباطها".
عند الغرق، يقاوم الشاب تيار الماء أكثر قياسا بالفتاة، وبالتالي فان فرص انقاذه تكون أكثر، وكلما كان مستوى لياقته البدنية أعلى كلما كانت عملية انقاذه أسهل، لكن إن كان كبيراً في السن ويعاني من إصابة ما أو ضيق في التنفس فإن نسبة نجاته تكون 50 بالمئة، كما يقول الضابط.
في الشهر الجاري، وقبل حادثة إلقاء الطفلين "حر" و"معصومة" في النهر من قبل والدتهما، انتشلت الشرطة النهرية جثة امرأة ورجل من قطعة النهر في منطقة الفحامة وسط بغداد، وبحسب المعلومات التي توفرت للأجهزة الأمنية، فإن الغريقين نزلا إلى شاطئ النهر للاغتسال، لكن المرأة انزلقت في الماء فتبعها الرجل محاولاً إنقاذها ليغرقا معاً.
يختار أغلب الأشخاص الذين يعانون من مشاكل عائلية أو نفسية أو معيشية جسر الأئمة أو جسر الجادرية ببغداد لإلقاء أنفسهم ووضع حد لشقائهم على هذه الأرض، كما يسترسل الضابط أحمد علي.
بعد استخراج جثة الطفلة "معصومة" وبينما كان غواصو الشرطة النهرية يذرعون نهر دجلة ببغداد بحثاً عن جثة "حر" أمر وزير الداخلية عثمان الغانمي بتكريم المفرزة التي عثرت على الجثة الأولى ومنحها قدِمَ سنتين.
وعندما كان بعض المتظاهرين يقفون أسفل جسر الجمهورية القائم فوق دجلة، ومنهم من يفكر بالعبور إلى الضفة الأخرى للالتفاف على القوات المكلّفة بإغلاق الجسر بوجه زملائهم أو العبور مباشرة إلى المنطقة الخضراء الواقعة هي الأخرى على كتف النهر، كانت مفارز من الشرطة النهرية تقف في طريقهم وتطلق قنابل الصوت والغاز باتجاههم، على ما أفادت تقارير صحافية.