لم يجد ماجد غني (37 عاما) طريقة أخرى لتقديم الشكر للكوادر الصحية بمحافظة ذي قار على ما بذلوه من جهود كبيرة لإنقاذ والدته وشقيقه إثر إصابتهم بفيروس كورونا وتراجع صحتهم خلال مراحل العلاج، ومن ثم تماثلهم للشفاء، سوى أن يقدم عملا فنيا أمام مركز قلب الناصرية، تثمينا للكوادر الصحية وعرفانا لما قدموه لعائلته.
طوال أسابيع عمل ماجد على إنشاء النصب الفني في ورشة خاصة في منزله، حيث وجد نفسه أمام مهمة كبيرة لتقديم الدعم المعنوي والنفسي للكوادر الصحية التي تقاتل فيروس كورونا في المستشفيات، ومركز القلب في ظل تصاعد في أعداد المصابين، لينفذ فكرته في تخليد الموقف التاريخي.
وماجد هو أول شخص من محافظة ذي قار، يبادر بشكر الكوادر الصحية في عمل فني بعد، وذلك بعد أن مرت عائلته بظروف عصيبة خلال الإصابة بفيروس كورونا، وما قدمته تلك الكوادر من جهود كبيرة لإنقاذهم وإنقاذ العشرات من المواطنين الذين مروا بأوضاع صحية صعبة خلال الإصابة بكورونا.
هدية بسيطة
يقول ماجد غني، وهو موظف في دائرة صحة ذي قار وبنفس الوقت، يمتلك هواية وموهبة في إنشاء النصب وبعض الأعمال والديكورات الفنية الخاصة، إن لديه ورشة خاصة بهذه الأعمال في المنزل، وغالبا ما يصمم بعض الأعمال بشكل فني لافت وفق مواصفات فنية حديثة إلا أنه كرس كل أفكاره في تنفيذ عمل فني بعد إصابة والدته وشقيقه بفيروس كورونا.
ويضيف غني، خلال حديثه لموقع IQ NEWS، أن والدته وشقيقته "تعرضا إلى إصابة بفيروس كورونا، الامر الذي أدى الى تراجع صحة والدته بشكل واضح الى درجة شعر الجميع بأنهم سيفقدون جزءا من العائلة، حيث بقيت والدته تحت الرعاية الصحية في مركز القلب لعدة أيام، بعدها خرجت من العناية قبل أن تشفى بشكل تام".
ويتابع، غني "فكرت حينها أن أقدم هدية بسيطة لتضحيات تلك الكوادر الطبية بنصب فني يليق بهم، حينها شاركني بهذه الفكرة والعمل زميلان لي، بعدها تم العمل وأنشأنا النصب على ارتفاع 220 سم وهو يجسد دور ممرض وممرضة يقدمان الرعاية الصحية لأحد المرضى ويحملان المعقمات وأجهزة التنفس في إشارة الى ارتباطهما بإنقاذ حياة المصابين".
كنت لسنوات أعمل قرب الكوادر العاملة في صحة ذي قار، يقول غني، ويستدرك "لكن اختصاصي ليس تمريضيا، إلا إني كنت قريبا من مقدمي الخدمة، حيث أغطي نشاطاتهم وأنقلها للمجتمع، كما أنني لم أجرب شعور متلقي الخدمة، وحينما أصيب أخي الطبيب ونقل العدوى إلى والدتي ونقلها لفريق متلقي الخدمة الصحية اكتشفت مدى صعوبة وخطورة أن يصاب أحدهم بالفيروس".
ويكمل، "رافقتهم في رحلة علاجية امتدت إلى أكثر من 15 يوما، توزعت ما بين المستشفى والبيت، وخلال تجربتي اكتشف فيها المقاتلون من الجيش الأبيض رجالا ونساء، شاهدتهم كيف يسعفون المصابين وفي الوقت نفسه كنت أشاهدهم كيف يزرعون الأمل في النفوس ويرفعون من معنويات المصابين".
ويمضي قائلا: "من خلال ما شاهدتي من مواقف لتلك الكوادر بعد شفاء أهلي من الفيروس، بدرت إليّ فكرة أن أخلد عمل هؤلاء الأبطال بمشروع فني يكون شاهد عيان لهذه الشريحة التي ضحت وقدمت الكثير، لاسيما أن الأزمة الصحية أظهرت مواقف الناس ووعيهم في تخطي هذه المحنة الكبيرة التي نمر بها، من خلال إبراز ثقافة التباعد والوعي الصحي أو تسليط الضوء من خلال ذلك بواسطة أعمال فنية أو نحتية أو نصب وتماثيل".
وكانت محافظة ذي قار من المدن التي شهدت ارتفاعا مستمرا في الإصابة بفيروس كورونا كما سجلت أيضا ارتفاع في أعداد المتوفين بالفيروس، في حين شهدت المحافظة أيضا أزمة أوكسجين في نهاية حزيران وتموز من العام الماضي تبعها سلسلة من الاقالات والاعفاءات في مستشفى الإمام الحسين وأيضا مدير عام دائرة الصحة.
سابقة ايجابية
تبدو فكرة دعم الكوادر الصحية بأفكار لافتة مثلما فعلها ماجد وتشجع الاخرين على أن يقدموا دعمهم للكوادر الصحية التي تحارب كورونا، في ظل المشاكل الصحية في المؤسسات، والمشاكل التي نشاهدها في مراكز حجر المصابين، يقول غزوان علي وهو أحد أصدقاء ماجد خلال حديثه لموقع IQ NEWS.
ويضيف، "أعتقد أن فكرة نصب تمثال للكوادر الصحية بمحافظة ذي قار قد تكون هي الأولى، إذ لم نشاهد أو نقرأ اي مبادرة قدمها أحد لتلك الكوادر في مختلف المحافظات العراقية وهي سابقة إيجابية لمحافظة ذي قار".
وكانت محافظة ذي قار شهدت طوال تفشي وباء كورونا إصابات ووفيات بالكوادر الصحية، حيث سجلت المحافظة 2392 إصابة، وهذه الإحصائية حتى منتصف شهر شباط الماضي، حيث توزعت بين أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وملاكات تمريضية وكوادر إدارية.
لم تكن عقبة الإصابة هي الوحيدة التي تعرقل عمل الملاكات الصحية في محافظة ذي قار، إذ كانت التجاوزات والتهديدات العشائرية والاعتداءات من قبل ذوي المرضى المصابين على الكوادر الصحية هي أكثر العراقيل التي واجهتها تلك الكوادر.
ويؤكد أحمد الحسن وهو فنان من مدينة الناصرية، لموقع IQ NEWS، أن "تكريم الكوادر الصحية العاملة في مراكز عزل المصابين بكورونا بأعمال فنية هي أفضل تكريم تحظى به تلك الكوادر وهي مبادرة جميلة أن يقدم أحدهم على هكذا نوع وهو تشجيع لتلك الكوادر بالوقت نفسه".
ويضيف الحسن، أن "انتشار مثل هكذا أعمال من شأنه أن يقلل النظرة السلبية خلال أزمة كورونا تجاه الكوادر الصحية وما قدمته من تضحيات وأيضا يوقف عمليات التجاوزات والاعتداءات بحق تلك الكوادر وانصافها، لا التقليل من شأنها مثلما حصل في اكثر من مناسبة في محافظة ذي قار".
ويرى أن "هذه فرصة جيدة أن تكون هناك تشريعات وقوانين ضامنة لتلك الكوادر وحمايتها من الاعتداءات التي تحصل ومن التهديدات، وهي أيضا فرصة لمنح الكوادر حقوق وامتيازات تليق بما قدموه خلال فترات تفاقم الاصابات في مراكز العزل".
وسجلت المحافظة تجاوزات على كوادر طبية من بينها ضرب على أطباء وطبيبات في مستشفى الحسين التعليمي، وكذلك تجاوزات لفظية وتكسير وتخريب بعض الاجهزة الطبية أو تكسير الأبواب، وتخريب الردهات من قبل ذوي المرضى، الأمر الذي دعا فيه قيادة الشرطة الى تشديد الاجراءات الأمنية في مراكز العزل والمؤسسات الصحية بشكل عام.
وبلغت إصابات ذي قار منذ تفشي الوباء في أذار من عام 2020 وحتى اليوم الأربعاء 35376، فيما بلغت نسبة الشفاء 32365، فيما تجاوزت الوفيات الـ900 حالة وفاة.
وبانتهاء عمل الفنان ماجد صانع تمثال الكوادر الصحية في ذي قار، يأمل أن تنتهي أزمة كورونا في المحافظة، فيما دعا إلى تلقي اللقاح وعدم إهمال الإجراءات الصحية، حتى لا تتكرر تجربته مع أشخاص أخرين وتصل نسبة الإصابة الى مراحل خطيرة.