قبل أربع سنوات فقط، أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن الحوار مع إيران مستحيل. وقال "كيف يكون لديك حوار مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟".
لكن منذ أيام، قال بن سلمان في تصريحات تلفزيونية إن بلاده تسعى لإقامة علاقات جيدة مع إيران. وأضاف "نحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع إيران".
ما الذي حدث لجعل ولي العهد يغير موقفه 180 درجة؟
بحسب مجلة فورين بوليسي، فإن أهم هذه الأسباب هو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط، وذكرت أن الصراع في المنطقة أجبر قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة.
وعلى عكس التوقعات القاتمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، لم تنفجر الفوضى بسبب الانسحابات العسكرية الوشيكة للولايات المتحدة من المنطقة، بدلا من ذلك، اندلعت الدبلوماسية الإقليمية.
كانت تعليقات محمد بن سلمان على الأرجح إشارة إلى محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب في العراق، والتي ذكرت لأول مرة في الفاينانشال تايمز، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات ووضع حد للحرب في اليمن.
في البداية، نفى مسؤولون سعوديون الخبر، فيما رفضت طهران التعليق، إلا بالقول إنها ترحب بالحوار مع الرياض.
لكن هذا الإنكار لم يدم طويلا. تبين فيما بعد أن قصة "الفاينانشيال تايمز" التي تحدثت عن لقاءات مسؤولين سعوديين وإيرانيين في بغداد ليست سوى غيض من فيض. وكشفت تقارير صحفية أن الحوار لم يقتصر على إيران والسعودية، بل عُقد الاجتماع الأول بين إيران والإمارات في كانون الثاني الماضي، تلته اجتماعات ضمت مسؤولين سعوديين وأردنيين ومصريين.
بينما ركزت المحادثات السرية بشكل أساسي على الحرب في اليمن، فقد شملت أيضًا الوضع في سوريا ولبنان. وشملت المحادثات كبار المسؤولين الأمنيين في دول مختلفة، بما في ذلك لقاء بين قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
من الواضح أن هذه المحادثات لا تزال في بدايتها، وهناك احتمال واضح بأنها قد تفشل في سد الفجوة بين إيران وخصومها العرب. ومع ذلك، تشير العديد من العوامل إلى قدرة هذه المحادثات على تغيير ليس فقط مسار العلاقات السعودية الإيرانية ولكن أيضاً الوضع الأمني الأوسع في المنطقة.
أما السبب الثاني لهذا التغير المفاجئ، هو أن هذا الحوار الإقليمي بدأ من قبل القوى الإقليمية نفسها. كما تقوده الدول الإقليمية نفسها، أي أنها لم تُفرض عليهم من قبل قوى كبرى من خارج المنطقة، ولا تقودها دول خارجية.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لم تساهم في هذه العملية، وفقا للمجلة.
أما العامل الثالث هو بدء الولايات المتحدة في الانفصال عسكريا عن الشرق الأوسط وبدء سحب قواتها.
خلال الحملة الرئاسية لعام 2020، تعهد بايدن بسحب "الغالبية العظمى" من القوات الأميركية من أفغانستان، وقطع المساعدات عن السعودية لحربها في اليمن، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهي قرارات تتناسب تمامًا مع أجندة تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة.
في الواقع، بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي، تحرك بايدن سريعاً لإنهاء الدعم الأميركي للجانب السعودي في الحرب في اليمن، وأبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعيدًا، وأعلن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان، وبدأ مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
كانت الرسالة الموجهة إلى القوى الإقليمية واضحة: الشرق الأوسط لا يمثل أولوية لإدارة بايدن. وكما قال مستشار بايدن غير الرسمي لموقع بوليتيكو: "إنهم يعملون بشكل هادف للغاية لعدم الانجرار إلى الشرق الأوسط".
وقالت المجلة الاميركية: "ليس من المستغرب أن هذه الرسالة دفعت القوى الإقليمية إلى البدء في استكشاف الدبلوماسية مع منافسيها".