كشف وزير الموارد المائية الأسبق (2016 – 2018) حسن الجنابي، ملامح "الدولة العميقة" في حكومة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي (2014-2018) فيما رأى أن الأخير "من أبنائها إذا لم يكن من آبائها".
واطلع موقع IQ NEWS على كتاب أصدره الجنابي مؤخرا، عن دار المدى، بعنوان "الدولة العقيمة.. تجربتي في حكومة حيدر العبادي"، بـ 368 صفحة، تطرق خلاله إلى عودته من "هدوء طويكو إلى صخب بغداد"، وأهوار العراق، ودولة الرئيس الأسبق العبادي، واحتجاجات البصرة، وسد الموصل.
وقال الجنابي، في صفحة (107): "كان العبادي من أبناء، إن لم يكن بحكم مواقعه السابقة من آباء، الدولة العميقة الناتجة عن انسداد الأفق السياسي في العراق والديمقراطية الباقة الزاحفة ببطء مخيب. قد لا يكون إيقاف الديموقراطية الزاحفة ممكنة بعد زوال الدكتاتورية، لكن من السهولة الالتفاف عليها في ظل أجواء التوتر وعدم الثقة والصراع على الصلاحيات والمصالح بين مؤسسات الدولة، وخاصة بين الحكومة ومجلس النواب أثناء حكم المالكي".
وأضاف، "من هنا تأسست دولة الوكالات، أي استخدام الصلاحيات والأوامر الديوانية لتسيير الدولة بالوكالة. وجرت التعيينات في المناصب العليا والحساسية والأمنية وفق قائمة مقاییس، کان معيار الكفاءة والمهنية ثانوية فيها. وتصدرتها معاییر حزبية وطائفية ومحسوبية، وفق مفهوم «أصحاب الثقة أفضل من أصحاب الخبرة»، لأن الخبرة تكتسب بالعمل، أما الولاء فهو الأصل."
وبين: "هكذا تحولت أسس المحاصصة الناشئة والضعيفة بعض الشيء إلى كونكريت مسلح، أريد أن تتأسس عليه دولة ما بعد 2003، وانساقت معه القوى العراقية، جهلا أو إصراره، عدا بعض الاستثناءات التي تمسکت بالهوية الوطنية، فتضاءل دورها أمام الزحف الهائل للعصبيات القومية ا والمذهبية وروابط الدم والعشائرية والمناطقية الضيقة".
تعزيز النزعة الفردية
وفي صفحة (118)، قال الجنابي: "کانت فردية العبادي جلية، ولم أشعر ولو لمرة واحدة بوحد متماسكة للرجل في قيادة الحكومة ومن ثم الدولة، أو برغبته في مناقشة أو قراراته بصورة تشاركية مع کابینته الوزارية. وصار واضحا أن فردية العبادي کرئیس لمجلس الوزراء لم تتناسب مع شخصيته ما قبل عام 2014، التي كانت باهتة وملحقة برئيس الوزراء اللذين سبقاه".
وأوضح: "على سبيل المثال لم يسجل له موقف متميز إزاء خراب البلاد وفشل إدارة الدولة، وانفلات الأمن وتفشی الفساد. ولم يشر إلى مسؤولية حزبه أو الأحزاب الحاكمة أو المتنفذة بين عامي 2003 و2014، وخاصة إبان حكم المالكي بملامحه الدكتاتورية وتعسفه بإدارة موارد البلاد وتقريبه أفراد عائلته ورعايته الدولة العميقة ووضع أسسها، أو إلى انهيار أجهزته الأمنية التي رعاها وقربها، لكنها هزمت دون قتال، وفر مسؤولوها من مواقعهم، فاستولت داعش على ثلث مساحة العراق".
وأكمل قائلا: "بعد أن تيسر للعبادي السيطرة شبه المطلقة على الحكومة، وخصوصا بواباتها المالية والأمنية – العسكرية، وعلى الرغم من ’’عقدة’’ العلاقة مع الجعفري الذي نجا من الإقالة على عكس رغبة العبادي، تعززت نزعته الفردية في إدارة الحكم، ونتج عنها استرخاء لغز ورضى عن النفس، أطاح به في نهاية المطاف. فعلى سبيل المثال كان غروره بتحقيق الانتصار في الانتخابات العامة، واستعلائه في الاقتتال الحزبي الداخلي، وعدم سعيه لحسمه في الوقت المناسب، قد حمله على تأخیر تشکیل قائمته الانتخابية وتسجيلها حتى الأيام بل الساعات الأخيرة قبل انتهاء الوقت القانوني لتسجيل الكيانات الانتخابية، وهذا ما صرح عدة مرات".
وأشار وزير الموارد المائية السابق، في صفحة (123): "لاحظت في العامين الأخيرين من حكومة العبادي أنه كان يقوم نفسه بتصميم الموازنة الحكومية بتعاون شكلي مع بعض الأشخاص من الجهة المختصة في وزارة المالية، وخاصة وكيلها بالوكالة. في أثناء ذلك لم يكن يأخذ بالاعتبار أولويات القطاعات والوزارات المعنية إلا ما ندر، ويركز بدلا من ذلك على ما يعتقده هو أولوية بغض النظر عن رأي الوزارة أو الوزير. وللأمانة فقد كان العبادي ذكيا بحفظ الأرقام، وماهرا في تقليل الإنفاق الحكومي. وقد استطاع عبر ذلك المحافظة على مستويات الموازنات التشغيلية، وخاصة رواتب الموظفين والمتقاعدين، وإلغاء بعض من امتیازات مالية مجحفة وفاسدة للمسؤولين السابقين".
حزب الدعوة
ولفت الجنابي، في صفحة (141) إلى أن "حزب الدعوة كان يمارس دور حزب السلطة منذ عام 2005، إلا أن ذلك الدور كان يجري في كواليس السلطة الخفية، إمعانا في دولة العميقة التي تمارس بها السلطة في أروقة غامضة غير خاضعة للمحاسبة أو المساءلة، لم يكن مجلس الوزراء كأعلى تشكيل حكومي على بينة منها، وقد أصبح معها العضو الحزبي المقرب من رئيس الوزراء أكثر نفوذا من الوزراء أنفسهم. فعلى سبيل المثال لم يكن نوفل أبو الشون يتحدث بحضور العبادي، ولم يعبر عن رأيه إلا ما ندر. أما في حال غاب العبادي لأي سبب، فإن أبو الشون يأخذ دوره بالحديث لوضع الأمور في نصابها المتفق عليه، أو على الأقل يحاول ذلك".
مستشار وسكرتير العبادي
وأكمل في الصفحة التالي: "أما كاظم الحسنی، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، فيسجل له أنه كان يتدخل بجرأة في بعض الملفات الاقتصادية الغامضة التي يراد تمريرها، وخاصة في مجالي الكهرباء والطاقة. وكنت أجد طروحاته وملاحظاته ذكية وحريصة، إلا أنه كان يبدو منفردا، أي في حال غيابه أو مرضه تمر القرارات دون تمحيص، كحال أي عمل غير ممأسس وفق سياقات معروفة.
وأردف: وبخصوص السكرتير الشخصي، أو مسؤول حماية رئيس الوزراء، صادق الحسینی، وهو شخص خلوق ضخم الجثة، قليل الاهتمام بمظهره، ويبدو أنه لازم العبادي منذ فترة طويلة، ويعد من المقربين منه، فلم أستطع التعرف على مهامه المحددة أو خصاله وإمكانياته السياسية والقيادية. فقد كان الرجل يدخل إلى قاعة اجتماع مجلس الوزراء ويخرج منها بالوقت الذي يشاء. وقد ظهر نفوذ صادق على العبادي، عندما دعاه ولمرتين في اجتماعين متتاليين، للتحدث أمام مجلس الوزراء أثناء مناقشة الخطة الزراعية الشتوية في ظروف الشحة المائية القاسية التي مر بها العراق عام 2018. ويبدو لي أنها سابقة غير مألوفة إذ يسمح بها الموظف من خارج مجلس الوزراء، لا يحمل صفة رسمية واضحة بمناقشة خطة حكومية على درجة عالية من الحساسية، وفيها خلاف واجتهادات جدية".
وبين: "فقد أعلن في الاجتماع بأنه كمزارع من الكوت لن يلتزم بخطة الحكومة مهما كان الوضع المائي، وأنه ينوي إرواء أرضه کاملة في الكوت، بغض النظر عن الخطة الزراعية، في تحد غريب للسياقات المعمول بها وللالتزامات الحكومية تجاه الوضع المائي في البصرة. وهذا أمر لا يحصل إلا في دولة عقيمة مخترقة، يسمح بها رئيس أعلى سلطة فيها لشخص من أتباعه بالاستخفاف بمواقف الحكومة والاشتراك بنقاش وهو لا يتمتع بصفة رسمية".