"كانت تحاول الانتحار.. حاولت مرة وثانية وثالثة، ولكن أهلها تمكنوا من انقاذها في اللحظة الأخيرة.. لم تكن بحاجة لشيء غير القليل من الأمل"، تروي مواطنة موصلية ما حدث لأختها الصغيرة التي كانت قد فقدت الأمل في كل ما حولها ولجأت إلى محاولات انتحار متتالية، أنقذها والدها دائما.
تقول سارة يونس (اسم مستعار، لدواع اجتماعية) لموقع IQ NEWS في يوم كنت قد اجبرتها على الذهاب لمركز تجاري (المول) في المنطقة نتفرج قليلا على ما يُعرض في المحال الموجودة داخل المول، لنخرجها من عزلتها، رأينا شابا يحمل دورقا زجاجيا، عليه عبارة "رسائل إيجابية وتحفيزية"، أقنع أختي بعد جهد واضح، أن تسحب ورقة، بعث مضمونها الأمل في أختي، التي فهمت أنها تستطيع تعويض ما خسرته طالما كانت قوية.. فتاة أخرى سحب ورقة عليها عبارة "خذ أحلامك على محمل الجد"، وهكذا يحمل الشاب الذي يدعى حذيفة الحسو دورق الإيجابية بين يديه.
وتضيف، بعد ساعات نشرت أختي عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أثر البطاقة في داخلها وقالت "هذه الورقة جعلت الأمل في داخلي يعود، وأن اعمل على تحقيق حلمي بعيدا عن الطاقات السلبية".
هذه هي ليست الأولى للحسو ولكنها جزءٌ من تجارب اجتماعية ومبادرات عديدة، يقوم بها الشاب الموصلي ذو الـ29 عاما وصاحب درجة البكلوريوس في علم الاجتماع والأب لطفلته الوحيدة، يعلم الحسو كما قال لـموقع IQ NEWS مدى تأثير هذه المبادرات على الشارع الموصلي وكيف يمكن أن تلقي بطاقة إيجابية على الشارع.
يقول إن "المبادرة الاولى لي كانت رسائل الى العالم وكانت بـ11 لغة، تحدثت المبادرة عن ماهية الموصل بدلالات كثيرة، اما مبادرة رسائل ايجابية فوزعت فيها 1000 رسالة بواقع 8 ايام فقط، النظرة التي تعلو وجوه الناس او ابتسامتهم بعد قراءة ما تخبئه بطاقاتي التحفيزية كاف لجعلي راض عن نفسي وعملي".
ويضيف: "المبادرة الاخرى فاستندت فيها على حقيقة انني دارس لعلم النفس، ويجب ان استغله بطريقة مثالية لذا توجهت الى دعم المصابين بفيروس كورونا، والذين يرقدون في مستشفى الموصل وتحت الحجر الصحي، قمت مع موسيقي صديق لي بتنظيم حفلة صغيرة بالقرب من ردهة العزل لجعل المصابين يشعرون ان هناك من يدعمهم في طريق تعافيهم من فيروس كورونا.. الجائحة سببت الكثير والوضع النفسي للمريض مهم جدا وفعلا استطعت ان اغير ولو قليلا في داخل كل من كان يعاني من المرض".
وعن نشاطاته الاخرى يقول حذيفة "مبادرة اخرى قمت بها قريب من المناطق السياحية والمتنزهات في الموصل وبالتحديد امام متنزه ’’باب الطوب’’ والذي من المتوقع ان يفتح ابوابه قريبا لاهالي المدينة، كانت المبادرة عبارة عن بطاقات كبيرة كتب عليها عبارات تحفيزية للحفاظ على نظافة المدينة وجماليتها بعيدا عن رمي البقايا في كل مكان".
وبين أن هذه المبادرة استمرت لأكثر من أسبوع والبطاقات حملت عبارة "ام الربيعين ما تستاهل تنتشر بيها الاوساخ" وأخرى "مثل مابيتك نظيف خلي الشوارع نظيفة " وثالثة "اعتبر هذا المكان بيتك ولا ترمِ الاوساخ"، ويرى أن هذه العبارات يمكن ان تحفز ضمير المواطن وتدفعه الى التأثر بها والقيام بما هو صحيح تجاه المدينة، وتأثيره أيضا على بقية الناس، فيمكن أن يكونوا سلسلة من التأثيرات وينتج لدينا مجتمع أكثر وعيا وإدراكا لحقيقة واجباته تجاه الموصل".
الحسو اعتمد بمبادراته على ما درسه أولا وعلى دراسته الحالية، وهي دراسات بناء السلام دبلوم عالي والتي تعطى من كلية العلوم السياسية وأيضا اعد عام 2017 وبالتعاون مع جامعة هارفرد تقريرا بعنوان (العدالة والسلام حول الموصل) واجرى مقابلات تفاعلية مع أكثر من 4000 شخص درس فيها ما يحتاجه أهل المدينة من مصدرا للأمل أو لزيادة الايجابيات حول المجتمع وبينه خاصة وأن الوضع الاقتصادي الحالي جعل المواطن في معاناة مستمرة.
يقول الحسو: "الداعم المادي مفقود، ولا أحتاج له، انا أدفع لكل مبادراتي من مالي الخاص وتساعدني زوجتي بطباعة البطاقات ولفها بشكل أنيق، أما فريقي الذي أجري معه مبادرات خيرية وعلى نطاق أكبر فهو "تطوع معنا " إلا أنه يقدم لي الدعم المعنوي أيضا ويشارك أفراده ما أقوم به من حملات على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، أنا أعلم أن الفكرة لا يستسيغها الكثير وأيضا يرون أن عملي لا طائل له، خاصة وأنني أضطر أحيانا لركوب أكثر من وسيلة مواصلات لكي اصل إلى وجهتي، مول مثلا أو سوق أو شارع معين، واقتصد بالمصاريف لكي احقق نشاطاتي هذه إلا أنني كما اسلفت تكفيني".
ويختتم قائلا: "إشارة رضا من شاب يعاني من الدراسة رسالتي حفزته، أو ابتسامة من رجل كبير ظن أن الحياة انتهت، النشاطات غير مدعومة من اية جهة كانت ولا انوي ايضا ان احصل عن طريقها على دعم معين، انا أكتفي بزرع التفاؤل في اهل الموصل وأن أرى أن جملة صغيرة نجحت في إشراق يوم كامل لشخص".