ما ان تدخل مدينة تكريت من مدخلها الجنوبي المطل على نهر دجلة تجد مجموعة القصور الرئاسية المقسمة الى جزئين الجنوبي والشمالي، قصور تحولت الى مواقع للدمار حيث تم قصفها بعنف في حرب عام 2003، وهذه القصور صرف عليها الرئيس السابق مليارات رغم الحصار الاقتصادي المفروض على العراقيين آن ذاك، وغالبية تلك القصور دمرت وما بقي منها صار موقعا حكوميا أو موقع تتخذه بعض العوائل النازحة مقر لها للسكن.
وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ مدينة تكريت كانت عبارة عن حصن كبير يتموضع فوق ضفاف نهر دجلة، واشتهرت المدينة بوجود الكنيسة الخضراء فيها والتي تعد من اقدم الكنائس في العالم ولا تزال قائمة على قمة جبل تكريت الجنوبي، وشيدها في القرن السابع ميلادي، ماروثا بن حبيب التكريتي الذي شاع ذكره في عموم البلاد المسيحية، إذ اشتهر بعلمه، وإرشاده، ومؤلفاته، كما اشتهر باهتمامه الواسع في إقامة الكنائس والأديرة في الجزيرة الفراتية وبلاد الشرق.
وكانت تكريت مركزا لكرسي المشرق للديانة المسيحية واقام فيها المفارنة حتى العام 1272م، وبقيت المدينة مقرا للمفريانات منذ القرن السادس الميلادي وحتى العام 1164م.
والمفارنة هي كلمة سريانية من مفريونو، وتعني الرئيس الروحي وهي درجة ادنى من البابوية في مناصب الكنيسة.
وفي العقد الاخير من القرن الخامس الميلادي حكم قباذ بن عزارسب الفارسي المنطقة، فخلق نوعا من البلبلة في مدينة تكريت للسيطرة عليها، فهدم بعض الكنائس واستولى على كنيسة مار أحودامة (كبرى كنائس تكريت)، مما دفع مفارنتها وعددا من اهلها إلى مغادرتها والذهاب لمدينتي بغداد والموصل.
مثال للتعايش الاجتماعي
ويقول مدير آثار محافظة صلاح الدين سعد جاسم حمودي في تصريح لموقع IQ NEWS، إن "الكنيسة الخضراء تعتبر واحدة من اقدم كنائس العالم والاقدم في المنطقة وكانت مقراً للكرسي المشرقي الكنيسي وأقام فيها المفارنة حكمهم الديني والذي هو اشبه بالفاتيكان اليوم".
وأشار إلى أن "الكنيسة الخضراء التي تعد معلماً حضارياً وتاريخياً في تكريت تم ترميمها وإعادة بنائها عام 1994 ولا تزال شخوصها باقية إلى اليوم، ويوجد بمحاذاتها جامع كبير تم ترميمه أيضا"، مبيناً أن "بقايا من آثار كنائس قديمة عثر عليها تحت الأنقاض، عندما كانت تشيّد القصور الرئاسية في تكريت، في القرن الماضي".
وأكد أن "الناس في تكريت يتداولون حكايات وقصصاً حول التعايش الاجتماعي بين المسلمين والمسيحيين وتعمل الدائرة على ايجاد مصدر تمويل لإعادة احياء هذه الكنيسة لتكون مزاراً للسواح ومن يمر بتكريت".
ويقول المختص في شؤون الاثار في تكريت سعدون احمد لموقع IQ NEWS، إنه "في عام 1994 قامت مديرية الآثار بترميمها وإعادة بنائها، وابراز معالمها، وعثر على صلبان حجرية وكتابات ونقوش سريانية".
وتابع أن "الحفريات كشفت احتواء الكنيسة على قاعة كبيرة في أعلى الكنيسة. والعثور وجود سبعة كنائس أخرى لم تستكشف بجوارها جامع كبير تم ترميمه ايضا وكذلك وجود كنائس أخرى الأولى تجاوز قلعة تكريت والثانية بنيت على انقاضها والثالثة تسمى كنيسة الشهيدين (سرجيوس وباخوس) الذين اعدمهما الرومان عام 307م في مدينة سرجيوليوس في سوريا".
وأشار الى أن "معظم الكنائس في تكريت دمرت ابان غزو تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي"، مبيناً أن "وجود الكنيسة الخضراء كمقر ومركز ديني سابق يعتبر من اهم الامور التي يمكن للحكومة المحلية الاهتمام بها والسعي لتنشيط الجانب السياحي في المدينة التي تعاني من الخراب والدمار".
وشدد على أن "تنظيم داعش كان يمتلك مجاميع اشبه بالمافيات قام بعمليات حفر وتنقيب في هذه الكنيسة الخضراء في محاولة منه لسرقة الاثار ولا احد يعرف ما سرقه من اثار تكريت التاريخية".
وأكد أن "الكنيسة مهملة اليوم حالها حال القصور الرئاسية المدمرة في تكريت كل شيء يحاكي الآخر، الدمار والاهمال يسيطر على كل شيء في مدينة صلاح الدين، وهذه الكنيسية زارها العديد من حكام العراق وكان الرئيس السابق صدام حسين يهتم بزيارتها بشكل دوري".