ذي قار _IQ
لسنوات طويلة، كانت الحياة شبه معدومة في متحف الناصرية الحضاري، وكانت الأبواب مؤصدة، الا لبعض الفئات أو المنقبين أو الزوار الأجانب، الذين يكونوا في مهام عمل أو تنقيب في المواقع الإثارية، على الرغم من أن المتحف يحوي على عشرات القطع الثمينة التي تعود لحقب زمنية مختلفة.
يؤكد مدير متحف الناصرية السابق ومدير مفتشية آثار ذي قار الحالي، عامر عبدالرزاق على أن ورشة متحف الناصرية أعادت الروح اليه بشكل كبير وحققت انجازا كبير بعمل القطع والمجسمات الاثارية التي تعبر عن معنى حضارة الرافدين التي يتم توزيعها على الزائرين، حيث كانت هناك جهود كبيرة ساهمت في إنجاح عمل المتحف وورشة عمل المجسمات".
يضيف عبدالرزاق خلال حديثها لموقع IQ NEWS، بأن "المتطوعين الذين أبدوا رغبتهم في العمل في متحف الناصرية وبشكل خاص في الورشة، كانوا مجموعة مثالية، فعدد منهم خريجي من قسم الاثار وخريجي الفنون الجميلة، عملوا بجد من أجل إنجاح الورشة، وأنتجوا الاف القطع النحتية والمجسمات".
ويكمل عبدالرزاق بأن "ورشة المتحف بدأت بشكل بسيط بقالب واحد لزقورة أور حتى وصلت القوالب الى 62 قالبا، حيث تم توزيع خلال عام ونصف بحدود 4 الاف قطعة مجسمة للزائرين ووصلت تلك النماذج الى 25 دولة حول العالم، وكان الهدف من تلك القطع هو ذكرى لمتحف الناصرية، والتي من شأنها أن تترك أثرا طيبا للمدينة لكل من يدخلها من السواح الأجانب أو المحليين".
ويتابع عبدالرزاق، أن "ألورشة كان الهدف منها أيضا تطوير مهارات هؤلاء المتطوعين من خلال النسخ التذكارية وهذا العمل الكبير، كنا نأمل أن يحصل عدد منهم على عمل بشكل رسمي بداخل المتحف، حتى لو بصفة عقود من أجل ديمومة عمل هؤلاء".
إحياء الحضارة
منذ إعادة النشاط لمتحف الناصرية الحضاري، انضم 17 متطوعا ومتطوعة، يملكون شهادات علمية، وبعضهم فنانين وموهوبين من أجل العمل بداخل المتحف، حينها أفتتح المتحف ورشة خاصة لإنتاج القطع الاثارية بلمسة عصرية، حيث حصل المتحف على بعض المساعدة من متحف الكفيل في انتاج قوالب الزقورة وبعض القطع الاخرى والمواد الخاصة بالعمل، ليتوسع عمل الشباب في أنتاج أكثر من عشرة رموز اثارية حضارية في العراق القديم.
تقول المتطوعة في ورشة متحف الناصرية سمر محمد، في حديث لموقع IQ NEWS، إنها "بدأت في العمل بصفة متطوعة في تشرين الثاني عام 2020، وانضمت مع مجموعة من الفتيات بفريق التطوع"، مشيرة "لم نجد من الإدارة أي أشياء سلبية غير الدعم المتواصل لنا، كنا نعمل ثلاثة أيام في الأسبوع ويكون العمل طيلة الدوام الرسمي".
وتضيف محمد خلال، بأنه "خلال العمل تمكنا من إنجاز الاف النسخ التذكارية التاريخية والتي تم توزيعها على شكل هدايا لزائري المتحف، بالإضافة إلى عمل استنساخ للنصوص المسمارية، حيث تأتينا المواد الأولية من مؤسس الورشة، وهو أحد موظفي المتحف، بالإضافة إلى مدير المتحف في حينها وبعض المتبرعين من جهات وأشخاص من خارج الدائرة".
ومن أبرز المجسمات التي تم عملها كما تقول محمد هي "تمثال الملك كوديا والملك أور نمو وزقورة أور والثور المجنح، والملوية في سامراء ومنارة الحدباء في الموصل وككلكامش وسرجون الأكدي وبوابة عشتار والملكة عشتار والكاتب دودو، كذلك تم عمل نسخ لبعض النصوص المسمارية، اضافة لكتابة بعض أسماء الزوار بالعلامات المسمارية".
والهدف من العمل التطوعي في متحف الناصرية، كما تقول محمد، هو "حب الوطن وأثار الوطن وتراثه وتعريف المواطنين بتراثهم، سيما نحن خريجي الآثار لأول مرة نجد مكانا نستطيع أن نبدع فيه ونصور أثارنا وحضارتنا بأفضل صورة، كذلك نوظف طاقاتنا الشبابية في تعريف زائري المتحف على ما تحتويه الحضارة من تراث عريق وإبداع الإنسان العراقي القديم في الماضي".
وتتفق الإثارية نور رزاق مع زميلتها سمر حول، سعيهما إلى العمل التطوعي في المتحف وتطوير مهاراتهما في عمل المجسمات الإثارية والاحتكاك بموظفي المتحف والاطلاع على خبرتهم، وايضا الاطلاع على القطع الاثارية التي يحتويها المتحف بقاعاته الكبيرة".
وتضيف رزاق خلال حديثها لموقع IQ NEWS، بأن "هدفها الأساسي للدخول مع فريق المتطوعين هو محبتها للأثار كونها خريجة هذا المجال، وأيضا للكشف عن المهارات خاصة، بعد أن كثرت النماذج التي نعمل عليها في انتاجها، من أول قطعة وهي زقورة اور إلى أكثر من 10 شخصيات ومواقع وأماكن مهمة من تاريخ وحضارة وادي الرافدين، كلها نعملها ونقدمها هدايا لزائري المتحف".
انتكاسة
على الرغم من الجهود الكبيرة التي انتعش بها متحف الناصرية منذ اتساع نشاطه خلال السنتين الماضيتين، لكن الأمر تغير كثيرا، بعد جائحة كورونا وتغيير الإدارة، حيث يكشف مصدر ، بأن "إدارة المتحف سعت لإيجاد فرص عمل بصفة عقود لهؤلاء المتطوعين الذين عملوا خلال أكثر من عام، لكن دون جدوى رغم الوعود الكثير من بعض المسؤولين".
ويضيف المصدر، بأن "البلديات وبلدية الناصرية وعدتنا ببعض الدرجات، لكن الأمر تغير، حيث تم تعيين 180 متظاهرا على بلدية الناصرية، وقاموا بتنسيب 12 متظاهرا من هؤلاء العقود الى المتحف، وهؤلاء ليس لديهم عمل فقط يحضرون ببعض الايام ثم يغادرون مبكرا".
ويوضح المصدر، بأن "متحف الناصرية اليوم يعيش فترة سبات بعد تغيير الإدارة وتوقف الورشة بشكل تام وانسحاب أغلب المتطوعين الذين كانوا يأملوا أن يحصلوا فرص عمل على أقل تقدير تثمينا لجهودهم التي قدموها طيلة أكثر من عام.
وأنشئ متحف الناصرية عام 1969 ليكون صرحا حضاريا، لكن الاحداث التي مرت بالمحافظة والعراق كانت قد حالت دون أن يكون شعلة ثقافية في المحافظة والتي جعلته معطلا باستثناء حقبة السبعينات ليخفت خلال التسعينيات ويتم اغلاقه حتى اعيد افتتاحه في العام 2015 على يد وزير الثقافة آنذاك عادل فهد الشرشاب.
وعلى الرغم من عودة افتتاح المتحف في العام 2015، بعد 25 عاما على إغلاقه بعد أحداث عام 1991، لكنه لم يشهد أي نهضة أو استقطاب للناس، مثلما حصل في العامين الماضيين، حيث تغيرت التفاصيل والأحداث بشكل لافت، وبدأت الحياة تعود بشكل سريع لمتحف الناصرية الذي دعا الناس والمواطنين لزيارته والاطلاع على ثقافة الرافدين القديمة من خلال الآثار التي يحتويها المتحف.
وبدأ المتحف بنشاط مختلف قبل عامين، حيث أفتتح أبوابه للمواطنين وبدأ يستقطب السواح والزائرين والمسؤولين، وكل من يأتي للناصرية، كان عليه أن يدخل الى متحفها، حيث أصبح بوابة ووجهة مختلفة للناس الذين بدأوا يدخلون الى قاعاته الكبيرة، ويطلعون على ما يحتويه من قطع أثرية، كما فتح أبوابه لمجموعة كبيرة من الشباب والبنات للتطوع والعمل، لإعادة إحياء الحضارة من خلال الأعمال النحتية.