بغداد - IQ
كان يقف قرب رفاقه، في صباح يوم كان يظنه عاديا، إلا أن الاقدار التي جاءت بالشاب "عبود" من الناصرية إلى بغداد، هي ذاتها، التي شاءت أن تفجّر قربه سيارة مفخخة، ليموت من كان معه من رفاق، ويصاب هو بفقدان للذاكرة، وينتهي به المطاف إلى العيش في كركوك بعيداً عن أهله لعقد ونصف عقد.
بدأت قصة عبود، وهو شاب اسمه "عبد الكريم" من أهالي الناصرية، كان قد أصيب بفقدان الذاكرة، بعد تعرضه لإصابة بتفجير إرهابي في بغداد عام 2006، حيث تزامن وجوده بموقع الانفجار، وبقي مصاحبا لشيخ طيب من أهالي قضاء الحويجة (55 كم جنوب غربي كركوك)، لسنوات عدة، وبالرغم من المحاولات العديدة للبحث عن عائلته، لكن دون جدوى، حتى جاء الموعد لعودته إلى أهله بالصدفة لكن بعد 15 سنة من فقدانه.
القصة بدأت بانفجار
ويقول مطر الجبوري وهو أحد أقارب عبود، إن "القصة بدأت عندما ذهب عبود، إلى بغداد للبحث عن عمل عام 2006 هو ورفاقه لكنهم تعرضوا لتفجير إرهابي بسيارة مفخخة كان يستهدف المدنيين، حيث قتل رفاق عبود وهو أصيب إصابة بالغة فقد الذاكرة بسببها واعتبر من المفقودين".
ويتابع الجبوري أن "شيخاً طيباً من أهالي الحويجة، أخذ على عاتقه الاعتناء بعبود بعدما وجده فاقداً للذاكرة ولا يقوى على العمل وأخذه معه إلى أهله في الحويجة بمحافظة كركوك ليعتني به إلى حين العثور على عائلته".
ويضيف الجبوري "بعد مرور السنوات جاءت عائلة أخرى من الناصرية، تبحث عن ولدها الذي سمعت بأنه موجود في الحويجة، لكنها حين وصلت إلى منزل العائلة التي كان عبود يعيش معها اكتشفوا انه ليس ابنهم، لكنهم قاموا بالتقاط صور لعبود وأخذوا رقم الشيخ الذي كان يعتني به، وقاموا بعد العودة إلى الناصرية، بنشر صور عبود ورقم هاتف الشيخ حيث وصلت لنا الصور وتعرفنا على عبد الكريم (عبود)، واتصلنا بالشيخ وذهبنا إلى كركوك لنجمع شمل عائلتنا".
الشيخ الطيب
في حين يقول الشيخ علي حسين العويد، من أهالي الحويجة، أنه "في عام 2006، وبليلة باردة، جاء أخي الذي كان في زيارة لبغداد، ومعه شخص لا نعرفه، وكان يرتدي ملابس خفيفة متسخة ومهترئة، وحافي القدمين ويكاد يقتله المرض، ولا يملك هوية ولا أي بطاقة تعريف ولا يحمل معه مالاً، ولسانه ثقيل ولا يتذكر أحداً، وأخذناه إلى الحمام واغتسل، وألبسناه ملابس جديدة وقدمنا له الطعام".
ويضيف العويد "سألت الرجل عبود (عبد الكريم)، قبل أن أعرف اسمه أصلاً إذا ما كان يعرف اسمه لكنه لم يكن يستطيع الكلام، ثم أخذته إلى الطبيب، وبعد تقديم العلاج له وتحسن حالته الصحية بعض الشيء، وبقينا نعتني به لعدة أيام وننتظر ان تتحسن حالته وعلى أمل أن ترجع له الذاكرة".
ويكمل العويد: "في تلك الأيام كان لي ولد ندعوه في المنزل باسم عبود، وبعد عدة أيام من وجود الرجل الذي احضره أخي، تمكن أخيراً من النطق، وقال ان اسمه عبود أيضاً مثل اسم ولدي وانه من اهل الجنوب لكنه لا يتذكر غير ذلك، فقررنا أنا وعائلتي وأخوتي بأن نبقي على عبود معنا ونعتبره من أهلنا حتى نجد اهله أو يجوه هم أو تعود له ذاكرته، ومنذ ذلك اليوم وعبود من أهل بيتنا ويعيش معنا ويزاول بعض الأعمال من أجل العيش الكريم".
العودة إلى العائلة
ويضيف العويد، "بعد مرور السنوات وتحديداً قبل شهر جاء إلينا أشخاص من الناصرية يبحثون عن ابنهم المفقود، بعد أن عرفوا أن بيننا شخصٌ فاقدٌ للذاكرة ومن أهالي الجنوب، على أمل أن يكون ابنهم ، لكنهم تفاجئوا حين رأوا عبود ورغم أنه لم يكن ابنهم الذي يبحثون عنه، إلا أنهم أخذوا على عاتقهم أن ينشروا صور عبود في الناصرية ويتصلون بعوائل من فقدوا اولادهم، وأخذوا رقم هاتفي لكي يتواصل معي من يتعرف على عبود".
ويتابع "قبل أيام استقبلتٌ اتصالاً من شخص قال لي باكياً أنه شقيق عبود، وأنهم قادمون لاستلامه، حيث وبعد أيام من الاتصال جاء أهل عبود إلينا، واحتضنه شقيقه وهو يبكي في موقف تأثرنا له جميعاً، وكان عبود يبكي بحرقة وهو يحتضن أخيه".
ويكمل العويد، "بعد أن تحققنا من الوثائق الرسمية التي كان يحملها أهل عبود تأكدنا من أنه ابنهم، وبعد ساعة جلس عبود بقربي وأخبرني هامساً، (عمي علي، أروح وياهم لأهلي!)، احتضنته وقلت له (أي هسه تروح لأهلك)، ثم صعد في السيارة، بعد أن تناولنا طعام الغداء، وانطلقت بهم السيارة وعبود يلوح ليّ بيديه حتى توارى بعيداً عن الأنظار".
وتابع الشيخ "عدت إلى بيتي ونمت ملئ جفوني، فقد أزيح عن كاهلي عبء كبير وأمانة ثقيلة، ثم جاءني اتصال من عبود وهو يبكي، قال لي: (عمي علي أمي ما شفتها! ميتة.. ميتة! وأهلي يگولون أنت لازم تجي، تزورنا بالناصرية)".