الرئيسية / "شفتة".. قرية عراقية محاطة بنهرين وغابة: "هدأت روع الخائفين في سنوات الدم فصارت مدينة"

"شفتة".. قرية عراقية محاطة بنهرين وغابة: "هدأت روع الخائفين في سنوات الدم فصارت مدينة"

بعقوبة -IQ 


عندما تقصف المدن، وتقع السقوف فوق رؤوس الأهالي في زمن الحروب والأزمات، يرتجل ميسورو الحال، إلى أبعد مكان عن مكان الخطر، بينما يلجأ الفقراء والعوائل ذات المورد الاقتصادي المحدود إلى أقرب منطقة آمنة، لتجنب أهوال المعارك، وهذا ما حدث بالضبط في محافظة ديالى.

فبعد 2003، شهدت ديالى معارك شديدة وتفجيرات واغتيالات، بعدما اتخذتها جماعة "التوحيد والجهاد" بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، معقلاً لها، ثم صار القتل فيها على الهوية خلال الحرب الطائفية بين 2006 - 2009.

ولم يبق في تلك السنوات مكان آمن في ديالى، التي تتجاوز مساحتها 17 ألف كم، ويسكنها أكثر من مليون ونصف شخص، سوى شارع المحافظة الذي يقع وسط بعقوبة وتنتشر دوائر الدولة الرسمية على جانبيه.

"شفتة": الأمان بين نهرين

ووسط تلك الأجواء، وجدت آلاف الأسر من طوائف ومذاهب وقوميات مختلفة، ملاذها الآمن في "شفتة"، وهي قرية وادعة تحيطها غابة كثيفة من أشجار النخيل والحمضيات، ويحاذيها نهر ديالى من جهتها الشرقية بينما يمر نهر خريسان من جهتها الغربية.

"شفتة من أقدم القرى في ديالى، ويعتقد أن عمرها يعود لقرابة قرنين من الزمن، وتسكنها عشائر عربية متعددة منها زبيد والخزرج والطائية وقبائل أخرى، وهي تعيش في سلام وتآخي وتصاهر منذ عشرات السنين، كما تمثل موطناً للعديد من الشخصيات في مجال الأدب والفن والشعر والسياسة أيضاً"، يقول "أبو صلاح الزبيدي"، أحد الساكنين في هذه القرية.


ويضيف، أن "قريتنا تحولت بعد 2006 إلى ملاذ كبير للأسر الهاربة من بطش الجماعات المتطرفة، وانتقلت إليها آلاف العوائل من مختلف مناطق ديالى للسكن فيها مؤقتاً، لكن ترحيب الأهالي وحسن تعاملهم مع الضيوف دفع النازحين إلى البقاء في شفتة التي لم تعد قرية صغيرة بل مدينة كبيرة يصل تعدادها الآن إلى أكثر من 15 ألف نسمة وربما أكثر".


لكن، رفض سكان "شفتة" للأفكار المتطرفة جعلهم هدفاً للتنظيمات المتشددة التي كانت تسعى لنشر نفوذها وأفكارها وتجنيد مقاتلين جدد، فوجهوا لها سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وقصفوها بقذائف "الهاون" ما أدى لمقتل وإصة العشرات من السكان المدنيين، كما يقول أحمد الخزرجي، وهو معلم في مدرسة ابتدائية في القرية لموقع IQ NEWS.


"قتلوا ابني أمام عيني"

في ليلة شتائية باردة من عام 2007، قتل "إرهابيون" شرطياً أمام والده الموظف الحكومي المتقاعد "غانم حسن"، في منطقة المقدادية (40 كم شمال شرق بعقوبة) فنزح الأخير في الليلة ذاتها إلى "شفتة" رفقة 13 عائلة من منطقته "هاربين من مأساة حقيقة".

ويتذكر حسن في حديثه لموقع IQ NEWS، أنه اتخذ من هذه القرية مكاناً مؤقتاً، لكن مع الوقت بدأ "يحبها وسكانها" فلم يعد إلى منطقته المقدادية بعد تحسن الظروف الأمنية في عموم محافظة ديالى، قائلاً إن "طبيعة القرية ومكوناتها التي تحمل أفرادها المعاناة ومأساة الفتن جعلها منطقة تثمن التعايش السلمي وتدعمه".

مبينا أن "طبيعة القرية وتناغم المكونات فيها، والتي حملت كل معاناة ومأساة الفتن، جعلها تثمن أهمية التعيش السلمي وتدعمه".


 "التنوع القومي والطائفي والمذهبي في شفته، كان عامل قوة في ابراز قدرة المجتمع على نبذ التطرف، واسهم في أن تصبح نافذة امان ديالى، بعدما التهمت حرائق التطرف والفتن بقية مناطق ديالى وخاصة بعقوبة".


وفرت الأمن لضباط الأمن

لم تكن قرية شفتة، مقصد المدنيين الباحثين عن الأمن، إذ لجأ "أغلب ضباط الأجهزة الأمنية" في ديالى خلال سنوات الحرب الطائفية لنقل عوائلهم إليها، لتأمين حياتهم، بحسب الشرطي "حسين كريم".

ويقول كريم لموقع IQ NEWS: "في سنوات الدم تلك، كنت أردد عبارة (من دخل شفتة مولود ومن خرج منها مفقود) لأنها كانت المنطقة الإيجابية الوحيدة في بعقوبة وقتها، وكانت (خضراء بعقوبة) لسنوات عدة" تشبيها بالمنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، والتي يسكنها أبرز مسؤولي الدولة.


قبل 2003، كان 70 بالمئة من سكان هذه القرية يعتمدون على الزراعة لتأمين لقمة العيش، "لكن الوضع تغير مع الانفتاح الكبير في الوظائف الحكومية، فانخفضت درجة الاعتماد على الزراعة وخاصة البستنة إلى 40 بالمئة تقريباً"، يقول "أبو حسن الشفتاوي" وهو مسن من سكان القرية.



2-10-2021, 22:28
المصدر: https://www.iqiraq.news/reports/28668--.html
العودة للخلف