تعيش "أم ماهر" التي تسكن في قضاء راوة غربي محافظة الأنبار، حالة حزن منذ أن اختطف تنظيم "داعش" ابنها قبل سنوات عندما سيطر على مناطق واسعة في غرب وشمال العراق صيف 2014، قبل استعادة القوات العراقية المشتركة لها.
وهي تتحدث بألم بادِ على وجهها وصوتها، تتوقف المرأة عن الكلام عندما يسألها أحفادها عن مصير والدهم.
اعتقل عناصر "داعش" ولدها شجاع بعد 3 أيام من دخولهم إلى رواة، إثر وشاية كما تقول أمه.
كان الشاب صياداً للسمك، وهو منزوج ولديه 5 أولاد وبنت. ويعيل عائلته كلها منذ مقتل والده في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
تقول "أم ماهر" إن التنظيم أبلغها بقتله لولدها، وهي لا تنفك تردد عبارة "الله يحرق قلوبهم".
حاولت الحصول على جثته، ودخلت إلى مقر للتنظيم من أجل ذلك، لكنها رجعت خائبة.
وهي لا تزال تتذكر ذلك اليوم، عندما اعتقل.
"اختطف إبني وهو في عمله، وبعد مرور أيام اتصل بنا، ليخبرني أنه تعرض للضرب والتعذيب بشكل مستمر، واختفى بعدها ولم نعرف له أي طريق يوصلنا اليه، حتى اضطرت للبحث عنه بنفسي، لأجد طريقي لأحد ابرز قيادات داعش الذي كان متواجداً في الانبار، لأقابله نفسي بعد أن وصلت إلى مكانه".
وعن لقائها بذلك القيادي، تقول أم ماهر: "قال لي بالحرف الواحد، دون رحمة، ودون أن يراعي حزني وكربي على فقدي إبني، قال لي: لن ترين إبنك مرة ثانية لقد قلتناه وحتى جثته لن تصلك".
تضيف أم ماهر وهي تكفكف دموعها التي لا تتوقف حزناً وكمداً على ما تعرض لها إبنها، "الله يحرق قلوبهم مثلما أحرقوا قلبي وقلب أولاده".
لم تستطع أم ماهر سرد كل التفاصيل، بعد أن تألمت كثيراً، لكنها طلبت "من المعنيين النظر في أمرها وأمر عائلتها، كونها لم تستطع أن تستحصل راتباً تقاعدياً يعين الأيتام الذين تركهم إبنها الذين يبكون باستمرار على فقدهم أباهم".
وبينما امتد الحديث مع أم ماهر، أشارت إلى ابنة ولدها المفقود.
وقالت "هذه ابنته قبل يومين استخرجت صورته وقالت لي وقد أوجعت قلبي، أنها رأت أباها الشهيد في القمر، لتعبر عن مدى اشتياقها له، فهل من مسؤول بنظر لحالنا ويخفف عنا آلامنا؟".
هذه الحكاية هي واحدة من آلاف القصص المشابهة.
"ملف شائك"
ورغم مرور 6 أعوام على إعلان العراق "النصر" على التنظيم، لا زال هناك عشرات آلاف الأشخاص الذين اختطفوا أو اختفوا خلال الأحداث وما رافقها في نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى غير معروفي المصير.
وهذا الملف شائك ومتشابك كما يقول سياسيون.
وفي وقت سابق، أعلن المرصد العراقي لحقوق الإنسان، عن أن 11 ألف عائلة عراقية أبلغت عن فقدان ذويها بداية من عام 2014 حتى عام 2022، كما طالبت الأمم المتحدة قبل عامين السلطات العراقية إلى إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة لتحديد مصير الآلاف من المغيبين وتحديد الجهات التي تعتقلهم وأماكن احتجازهم.
وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم المفوضية السابقة لحقوق الإنسان علي البياتي، إن "ملف المغيبين والمفقودين في المناطق المحررة هو ملف شائك لسببين، الاول انه يتضمن مفقودين في أكثر من مرحلة، منها مرحلة دخول داعش الى مناطقهم واحتلالها لفترات طويلة، وهي تضمنت فقدان اشخاص اثناء الحرب اما على يد داعش او خلال الحرب بشكل عام، ومن ثم فترة تواجد داعش وهي تتمثل بالجرائم التي قامت بها عصابات داعش، ثم فترة الحرب الشرسة التي قامت بها القوات الامنية ضد داعش، والتي تضمنت فقدان مجموعة من المواطنين، ثم فترة انتهاء الحرب او التحرير والتي كانت السلطة فيها يد القوات الأمنية العراقية".
ويشير البياتي إلى أن "تعدد الفترات واختلاف الظروف والقوى الماسكة تجعل فيها ظروف الفقدان والاخفاء تختلف، وحتى المتسبب مختلف والضحية مختلفة ايضاً"، مبينا ان "السبب الثاني هو عدم وجود جهود مؤسساتية وحقيقية من اجل انهاء هذا الملف والبحث والتحقيق فيه بشكل يتناسب مع حجم الجريمة والاعداد".
وتابع أن "المفوضية تسلمت اكثر من 8000 شكوى او ادعاء بالفقدان او تغييب من قبل العوائل في تلك المناطق"، لافتا الى ان "اللجنة العليا المشكلة لهذا الغرض بدورها تسلمت اكثر من 10 الاف شكوى وادعاء بالتغييب او الفقدان".