وسط الصحراء والرمال المتحركة، وبين درجات الحرارة القاسية صيفاً، وزخات المطر التي تغرق خيام النازحين شتاءً، استطاع الشاب عبد الملك الجنابي تحقيق نجاح باهر بمعدل متفوق في امتحانات السادس الإعدادي.
تتحدث عينا عبد الملك قبل لسانه، عن حجم المأساة التي لحقت به مع أسرته بعد نزوحهم من جرف الصخر عام 2014، حين لاذو آنذاك بقضاء عامرية الصمود بمحافظة الانبار، ومن هناك بدأت رحلته الدراسية الشاقة، باحدى المدارس الحكومية بقضاء الصمود.
ويسرد عبد الملك وليد خليل ذو الـ18 عاما قصة نجاحه لموقع IQ NEWS، قائلا: "لم يكن أحد يستطيع أن يدرس داخل الخيمة، هناك صعوبات كثيرة، من ناحية ارتفاع درجات الحرارة صيفا، والبرد القارس في فصل الشتاء، الخيمة لا تحميني في الصيف من الحرارة، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، وفي الشتاء من الأمطار، والظروف النفسية صعبة جدا".
ويكمل: "كانت أياماً مريرة حقاً، أن يكون لك طموح كبير، لأن واقعك يحاصرك بالأسوأ".
وعن المصاعب التي واجهته في المخيم يقول إن "المخيم يبعد عن المدينة كثيرا، والمدرسة كانت داخل المدينة، وكنت أتوجه للمدرسة في السادسة صباحًا، حيث دوامي يبدأ الساعة الثامنة صباحا، وأصل إليها من دون أي وساطات للنقل، وفي خروجي من المدرسة تكون الصعوبة قد زادت، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وقد حولت درجات الحرارة وجهي إلى لون آخر".
ويمضي قائلا: "بدأت بالتكيف مع الوضع وكان الداعم الرئيسي الذي يلهمني من الصبر والعزيمة هو الله سبحانه وتعالى، واهلي بعد الله، وقد عاهدت نفسي أن اكون من المتفوقين".
ويكمل: "لقد اعتمدت في دراستي على تطبيق يوتيوب وواجباتي المدرسية.. كان هدفي في ظل الظروف الصعبة التي أعيش فيها، أن أدخل كلية الطب، التي أستطيع من خلالها، أن أساعد أهلي وحتى الناس، بالإضافة أن أحسن من حالتي المعيشية، والطب أفضل من باقي المهن، وهذا الحلم بالنسبة لي، من اول يوم تهجرنا به، واليوم والحمد لله قد تحقق الحلم، بعد تحقيق معدل 99.57 بالفرع الإحيائي".
وعن محطته المقبلة، يقول عبدالملك "جامعة الانبار هي محطتي المقبلة التي أتمنى وأسعى لكي أتفوق بدراستي، وأنا أفضل الدراسة فيها بسبب قربها من مناطق سكاني".
"كان عمري 9 سنوات فقط، حين أجبرنا على ترك بيوتنا في جرف الصخر، الحنين اليه لا ينقطع، سوف يبقى في ذاكرتي، وآلان لدي مشوار طويل من أجل مستقبل أفضل لي ولعائلتي"، يتحدث عبدالملك.
ويشير: "السكن داخل مخيمات النزوح، أشبه بالموت المبكر، لا خدمات ولا راحة ولا استقرار، والحشرات تحاصرنا والأمراض الجلدية والمشاكل الكبيرة وصعوبة الحصول على لقمة العيش".
ويبين: "في فترة دراستي كنت لا أخرج من الخيمة اطلاقا، ولا يراني احد طيلة ساعات النهار، كان تركيزي ينصب فقط على دراستي".
ويضيف: "في كل صف كان هناك طلاب مجتهدين، ودائما يتعرضون للتنمر، لكني لم اتعرض إطلاقًا لاي تنمر او اي مضايقة، بالعكس زملائي في المدرسة متعاونين معي كثيرا، وجميعهم متواضعين، وكنا مساندين لبعضنا".
ويكمل: "لم يكن لدي وقت محدد للدراسة، أخلد للنوم في تمام الساعة ١٢ مساءً، واستيقظ، الساعة ٦ صباحًا، وكان وقت فراغي فقط لتناول الغداء مع عائلتي، بالإضافة لأوقات الصلاة، فقد كنت بعد كل ساعة دراسة، أوجه نفسي لاستراحة خمس دقائق، وهكذا اكمل يومي".
تكريم من رئيس البرلمان
وعن استقباله وتكريمه من قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يقول الشاب عبدالملك "ابهرني استقبال رئيس البرلمان ولا استطيع الشعور حين التقيته وتحدنا سوية عن مستقبلي ومستقبل شبابنا".
وعبر عبدالملك عن "شكره للدعم المتواصل له من قبل رئيس البرلمان"، مشيراً إلى أن الأخير "صاحب مواقف مشرفة وله فضل كبير عليّ".
"رسالتي إلى الشباب والبنات، الذين يمرون بظروف صعب أشبه بحالتي، لا تجعل الظروف تحكمك، وتحكم مستقبلك، مهما كانت الظروف، تستطيع ان تدرس وتجتهد، واصعب شي هي البداية، وبامكانك ان تخترقها، وتتكيف مع الوضع، مهما كانت صعبة، ومن الضروري ان تمتلك عزيمة واصرار، وتجعل الهدف امامك، وتتوكل على الله، راح تكدر تتخطى جميع المعرقلات، مثل ما اني اتخطيتها، واني في خيمة، ولم أجعل من الخيمة عائق أمامي، فقد استطعت تحت الخيمة، بحرارتها وبردها أن اتخطى كل المصاعب، واحقق حلمي بالتفوق وتحقيق معدل يؤهلني لدراسة الطب"، يقول عبد الملك.