بغداد - IQ
تقع جزيرة سقطرى اليمنية في قلب المحيط الهندي، على بعد 380 كيلومترا جنوب شبه الجزيرة العربية، لتكون بذلك أكبر الجزر العربية وواحدة من أكثر بقاع الأرض تميزا، وتُشكل هذه الجزيرة، التي تتربع على مساحة 3,796 كيلومترا مربعا، جزءا من أرخبيل يضم ست جزر، وتبرز كواحة بيولوجية نادرة بفضل تنوعها النباتي والحيواني الفريد، وتُعد موطنا لأكثر من 850 نوعا من النباتات، منها 293 نوعا مستوطنا لا يوجد مثيل له في أي مكان آخر على وجه الأرض.
وفقا لتقرير المركز الوطني للمعلومات اليمني في 2023. هذا التنوع، إلى جانب غياب الزواحف السامة مثل الأفاعي والعقارب، جعلها وجهة استثنائية تجمع بين الجمال الطبيعي والأمان البيئي، لكن ما يُضفي على سقطرى طابعا خاصا اليوم،
هو نهضة تنموية وسياحية تشهدها منذ سنوات على الرغم من الحرب الأهلية في اليمن والتي دخلت عامها العاشر، والتي كانت بدأت في سبتمبر 2014 بعد انقلا لحوثيين بدعم من إيران على السلطة، وطرد الحكومة والسلطة الشرعية من صمعاء
التنوع البيولوجي: إرث طبيعي لا يُضاهى
تتميز سقطرى بغطائها النباتي الفريد، الذي يُعد من أبرز معالمها العالمية شجرة "دم الأخوين" الشهيرة التي تُشكل رمزا للجزيرة، وتُعتبر واحدة من أكثر النباتات تميزا على مستوى العالم، حيث لا تنمو إلا في هذه البقعة المنعزلة، إلى جانب ذلك، تضم الجزيرة 190 نوعا من الطيور، منها 6 أنواع مستوطنة، وفقا لدراسة نشرتها "الجمعية الملكية لحماية الطيور" في 2022، وكما تزخر مياهها بتنوع بحري يشمل 352 نوعا من الشعب المرجانية والسلاحف الخضراء، مما جعلها تُدرج ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو في 2008.
هذا الإرث البيئي جعل الصحفي الأمريكي ديكلان والش يصفها في مقال نشرته "نيويورك تايمز" في 10 نوفمبر 2020 بأنها "مكان يشعر فيه المرء وكأنه يقف على حافة بدء الخلق"، وهو تعبير يُجسد جاذبيتها كواحة طبيعية تجمع بين الغرابة والهدوء.
نهضة تنموية وسياحية بعد العزلة
حتى وقت قريب، كانت سقطرى تعاني من غياب شبه تام للبنية التحتية، حيث عاشت سكانها البالغ عددهم نحو 60 ألف نسمة في ظروف بدائية تعتمد على الصيد والزراعة التقليدية، لكن إعصار "تشابالا"، الذي ضرب الجزيرة في نوفمبر 2015، غيّر هذا المسار بشكل جذري، وتسبب الإعصار في تدمير واسع للمنازل والبنية التحتية الضعيفة أصلا، ونزوح أكثر من 1500 أسرة إلى المناطق الداخلية، وفقا لتقرير "رويترز" في 4 نوفمبر 2015، ولكن ورغم المأساة كان ذلك الإعصار أحد أسباب إحداث نقلة نوعية في الجزيرة، في تلك اللحظة الحرجة بعد أن تولت دولة الإمارات العربية، جهود الإنقاذ في وقت كانت فيه اليمن في أوج مراحل الحرب الأهلية، حيث أطلقت حملة دعم وتنمية شاملة بالتعاون مع الحكومة اليمنية، شملت هذه الحملة إعادة تأهيل مطار حديبو، عاصمة الجزيرة، وإنشاء شبكة طرق معبدة، وتأسيس محطة كهرباء مستقرة، ومستشفيات وشبكات آبار ومياه مما أحدث نقلة نوعية في حياة السكان.
تقرير نشرته "وكالة فرانس برس" في 22 أكتوبر 2021 أكد أن هذه التحسينات في البنية التحتية، التي جاءت بعد سنوات من الإهمال، ساهمت في عودة الجزيرة كوجهة سياحية جاذبة، ووفقا لبيانات وزارة السياحة اليمنية في 2024، استقبلت سقطرى أكثر من 22 ألف سائح مؤخرا ، وهو رقم يعكس التحول الكبير الذي شهدته الجزيرة بفضل الاستقرار النسبي والتطورات التنموية، هذه النهضة لم تقتصر على السياحة، بل امتدت لتشمل تحسين الخدمات المحلية، مثل توفير قوارب حديثة للصيادين، مما عزز الاقتصاد المحلي وفتح آفاقا جديدة للعمل.
تماسك مجتمعي وسط التحديات
بينما يعاني اليمن من حرب أهلية مستمرة منذ 2015، حافظت سقطرى على استقرارها كملاذ آمن بعيد عن دوامة العنف. يُعزى ذلك إلى تماسكها المجتمعي وبعدها الجغرافي عن مراكز الصراع، مما جعلها واحة سلام وسط الفوضى، حيث ظلت "سقطرى ظلت بمنأى عن الحرب الأهلية، محافظةً على نسيجها الاجتماعي هذا الاستقرار مهد الطريق لعودة السياحة بقوة، رغم الدمار الذي خلفه إعصارا "تشابالا" و"ميج" في 2015، حيث أتاح للجزيرة فرصة لإعادة بناء نفسها
شهادات حية: تأثير التنمية على حياة السكان
تعكس قصص السكان المحليين حجم التغيير الذي شهدته الجزيرة، صالح محمد، صياد يبلغ من العمر 38 عاما من سكان سقطرى، روى تجربته في تقرير نشرته "وكالة الأنباء اليمنية" (سبأ) في 15 يناير 2023، قائلا: "كنت أعتمد على قارب قديم يكاد يتحطم في كل رحلة، لكن بعد حصولي على قارب حديث بمحرك قوي بفضل الدعم المقدم، أصبحت قادرا على صيد كميات أكبر وتأمين حياة أفضل لأسرتي"
هذه الشهادة تُبرز كيف ساهمت المبادرات التنموية في تعزيز سبل العيش ودعم الاقتصاد المحلي. كما أشار تقرير "الأمم المتحدة للتنمية" في مارس 2025 إلى أن "تحسين البنية التحتية في سقطرى خلق فرص عمل جديدة، خاصة في قطاعي السياحة والصيد، مما قلل من معدلات الفقر بين السكان".
المستقبل: سياحة مستدامة وتحديات بيئية
مع تزايد أعداد الزوار، تسعى السلطات المحلية إلى تطوير خطط لسياحة مستدامة تحافظ على البيئة الهشة للجزيرة، هذا التوجه يأتي في ظل مخاوف من التأثيرات السلبية للنشاط البشري على التنوع البيولوجي، ففي تقرير لـ"اليونسكو" في يوليو 2024 دعا إلى "ضرورة وضع استراتيجيات صارمة للحفاظ على الإرث الطبيعي لسقطرى مع استمرار تطويرها كوجهة سياحية"، بعج النهضة التنموية التي شهدتها الجزيرة، والتي فتحت الباب أمام فرص اقتصادية غير مسبوقة، لكنها تتطلب توازنا دقيقا بين التنمية والحفاظ على هويتها البيئية.