"لم أعد استطيع التفكير ولا التخطيط للمستقبل"، عبارة رددها رحيم جواد ذو (55 عاما)، في إشارة لحجم الضرر الذي لحق به جراء الصعود السريع للدولار أمام الدينار.
جواد يوضح في حديثه لموقع IQ NEWS، بأنه بات "يشعر بالدوار نتيجة تعرضه لخسارة فادحة وتوقفت أعماله نتيجة تذبذب أسعار الصرف".
حالة جواد تنطبق على آلاف العراقيين الذي يشعرون بـ"الضياع" ولم يعد بإمكانهم العمل بارتياح على ظل اهتزاز السوق على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار الذي بات الشغل الشاغل لجل العراقيين، نظرا لما يعنيه من انخفاض قيمة العملة الوطنية وغلاء أسعار كل شيء، إلى درجة بات فيها الرأي العام يستحضر ذكريات أيام الحصار القاسية.
حصل ذلك كله على نحو متسارع، فور "تسريب" مسودة قانون موازنة 2021، التي هوت بالدينار أمام الدولار وأشاعت حالة من الخوف وعدم الاستقرار في السوق العراقية، في حين زاد الأمر سوء بقرار رسمي صدر من البنك المركزي وحدد سعر صرف بـ1470 للدولار أمام الدينار.
"لماذا استهدفت موازنة 2021 مخصصات الموظفين؟"، هكذا يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة الدكتور نبيل المرسومي في حديث لموقع IQ NEWS، لافتا إلى أن " رواتب الدرجات الخاصة والمشمولين بقوانين خاصة لم يتم الحديث عن تخفيضها بالموازنة المسربة".
ويوضح المرسومي، "لم يجر أي تخفيض على مخصصات أخرى كالسكن والمنصب، ومخصصات أخرى مذكورة في قوانين أخرى مثل الخدمة الخارجية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمجلس الأعلى للقضاء".
ويلفت المرسومي إلى أن "موازنة 2021 خفضت مخصصات الموظفين بمقدار 12 تريليون دينار، غير أن النفقات التشغيلية بدلا من أن تنخفض ارتفعت إلى 122.7 ترليون دينار، الأمر الذي يزيد عن النفقات التشغيلية في موازنة 2019 بأكثر من 22 تريليون دينار، ما يدل على عدم ترشيد الموازنة العامة وإقتصار إجراءاتها التقشفية على الموظفين فقط، خاصة وأن المستلزمات السلعية والخدمية والصيانة والبرامج الخاصة لدوائر الدولة المختلفة بلغت في موازنة 2021 اكثر من 21.1 ترليون دينار".
ويشير المرسومي بالقول، إن "كل النيران التي وجهتها موازنة ٢٠٢١ موجهة إلى المواطن العراقي موجودة بنادقها وذخيرتها الحية في الورقة البيضاء الحكومية".
محاكاة "مشوهة" للورقة البيضاء
المحلل الاقتصادي ضرغام محمد علي يرى أن "مسودة الموازنة محاكاة مشوهة للورقة البيضاء التي هي نفسها لم تحظ بقبول الاقتصاديين العراقيين، واحتوت على أكثر من ٢٠ ملاحظة قانونية شخصتها الدائرة القانونية للأمانة العامة لمجلس الوزراء".
ويقول محمد علي في حديث لموقع IQ NEWS، "من بين الملاحظات الاقتصادية خفض الرواتب وفرض زيادات في الأسعار وخفض قيمة الدينار، وهذه سترفع نسب التضخم وتزيد من نسب الفقر وتؤدي إلى انكماش تضخمي يؤذي السوق ويقلل فرص العمل بشكل خطير، إضافة إلى الأضرار التي ستتعرض لها المصارف العراقية المثقلة بديون حوالات الخزينة الكاسدة، حيث أن الإقبال على سحب الودائع لا بدالها بالدولار سيفلس المصارف".
محنة وضربة للمشاريع
وفي سياق متصل حذر رئيس اتحاد المقاولين العراقيين والعرب علي فاخر السنافي من حصول كارثة جديدة ستحل بشريحة المقاولين والمشاريع المستمرة في حال تمرير قانون الموازنة بوضعها الحالي، وبسعر صرف الدولار الجديد، مبديا استغرابه من عدم وجود تحرك جاد من قبل أصحاب القرار تجاه هذا الأمر، الذي سيؤثر بشكل كبير على حركة المشاريع والبنى التحتية في مختلف المحافظات العراقية، وخاصة المشاريع قيد التنفيذ.
وقال السنافي في منشور في صفحته على "فيس بوك" اطلع عليه موقع IQ NEWS، إن "ما جعلنا نتفاجأ هو أن الحكومة لم تضع في حساباتها قضية الزيادة الحاصلة بنسبة أكثر من 20%، والطامة الكبرى والخطيرة هي أن من الممكن توقف 70% من المشاريع الخدمية المهمة للمواطن "، داعيا اللجان المالية في البرلمان إلى التحرك بأقصى سرعة تجاه هذا "الموضوع الخطير قبل ولادة الكارثة التي ستؤدي إلى ازدياد المشاكل في مختلف المحافظات".
وأعلن البنك المركزي، اليوم السبت، رسميا تحديد سعر الصرف 1450 دينار لكل دولار، و1460 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للمصارف، 1470 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للجمهور، مبررا ذلك بالقول، إن "عدم اتخاذ مثل هذا القرار قد يجعلنا مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة قد تضع العراق في حالة مشابهة لما تعرضت إليه دول مجاورة"، وذلك غداة تصريحات ادلى بها وزير المالية محمد توفيق علاوي صبت في هذا الاتجاه.