منذ سنوات والحديث عن وجود "مشاكل" في النظام السياسي لعراق ما بعد 2003 متواصل في الأروقة السياسية دون أن يتعدى مجرد الكلام والتشخيص، لكن بعد تظاهرات تشرين 2019 بمطالبها وشعاراتها، باتت الكثير من القوى السياسية بما فيها تلك التي تملك ثقلاً في إدارة دفة البلاد، تقر بضرورة ايجاد حل لتلك "المشكلات" وإلا فإن "الانهيار" يلوح في الأفق.
في هذا الإطار، جاءت دعوة رئيس الجمهورية برهم صالح يوم أمس إلى إيجاد "عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة"، مبيناً أن "الأزمات المتتالية والتحديات التي شهدتها البلاد تؤكد حجم وحقيقة الخلل البنيوي في النظام القائم وطريقة الحكم، وأن المسؤولية التاريخية والوطنية تقتضي العمل الجاد على إنهاء دوامة الأزمات التي تعصف ببلدنا".
وشدد صالح على أن ذلك "يستوجب الإقرار بأن منظومة الحكم التي تأسست بعد عام 2003 تعرّضت إلى تصدع كبير، ولا يُمكنها أن تخدم المواطن الذي بات محروماً من أهم حقوقه المشروعة".
ولكون القوى السياسية الشيعية هي الحاكمة بموجب منهج المحاصصة الطائفية، فإن مثل هكذا دعوات توجه لها عادة، لينقسم موقفها من هذه الدعوات بين إقرار وتأييد، وبين اشراكها القوى الأخرى في مسؤولية "الفشل" ببناء العراق الجديد "في ظل دستور ملغم"، كما قال العديد من الساسة الشيعة سابقاً.
"بديل مدني أو انهيار شامل"
القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي، وهو شقيق أسامة النجيفي الذي قاد المعسكر السياسي السني في السنوات الماضية التي شهدت ذروة الانقسام في العراق، حذر اليوم "عقلاء الشيعة بصفتهم الأغلبية الحاكمة" من "انهيار سيطال كل النظام العراقي" مالم يقدموا "بديلا مدنيا".
وكتب النجيفي تغريدة على فيسبوك اطلع عليها IQ NEWS، "سيشهد عام 2021 انهيار المشروع السياسي الديني الشيعي في العراق، وإذا لم ينجح عقلاء الشيعة بصفتهم الأغلبية الحاكمة بتقديم بديل مدني فسيطال الانهيار كل النظام العراقي".
من جهته، يشير المحلل السياسي حمزة مصطفى إلى أن تغيير العقد السياسي، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية برهم صالح، "ليس بالسهل وربما تواجه صعوبات كثيرة"، لكن الحديث عنه "يعني رغبة الكتل والزعامات لتغيير نمط الحياة السياسية في العراق".
ويضيف مصطفى في حديثه لموقع IQ NEWS، أن "الاتفاق على صيغة العقد السياسي تحتاج الى احداث تعديلات في الدستور، لأن من شروط العقد السياسي تغيير الدستور أو بعض فقراته وكذلك الحاجة إلى اجراء استفتاء بشأن شكل النظام السياسي وهل يبقى برلماني أو يتحول الى رئاسي".
ويرى أن "المشكلة ليست في النظام السياسي فقط وانما في اليات التطبيق، فالنظم البرلمانية موجودة في معظم دول العالم وهي ناجحة"، مضيفاً "يقتضي على الكتل السياسية أن تبحث عن المشكلة في نفسها وليس في طبيعة النظام السياسي".
ويوضح مصطفى، أن "ما قصده رئيس الجمهورية برهم صالح في كلمته الأخيرة وحديثه عن "التصدع في نظام ما بعد 2003، وهي ليست أول مرة يتحدث فيها بهذا الشأن"، هو أن "منظومة العراق الجديدة شابها خلل المحاصصة الطائفية والعرقية والتي تحولت الى تقاسم للنفوذ والسلطة"، مبيناً أن "نوعية العقد السياسي الجديد يجب ان توضح من رئاسة الجمهورية نفسها".
أين المشكلة؟
يقول عضو مجلس النواب سليم همزة، إن "الأحزاب السياسية في العراق تختلف عما موجود في المؤسسات السياسية الدولة، ولا سيما الذين يحكمون في هذه البلاد وخلف الكواليس"، لافتاً إلى أن "الأحزاب السياسية العراقية تمتلك السلاح واستولت على الأموال (العامة) وهذه ظاهرة خطيرة بحاجة إلى معالجة بطريقة علمية وواقعية".
ويضيف همزة في حديثه لموقع IQ NEWS، "معلوم للجميع أن الأحزاب السياسية تحرك من قبل أيادٍ خارجية ضد المصالح الوطنية العراقية، ومن دون عقد سياسي جديد سيكون العراق ملعباً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية".
وعما إذا كانت المشكلة في النظام السياسي أو في الشخصيات السياسية، قال عضو مجلس النواب، إن "العقد السياسي والكتل السياسية يكمل بعضهم بعضاً.. النوعية الموجودة في العراق يجب معالجتها بجهود دولية جبارة".