سلط تقرير صحفي لموقع "بي بي سي عربي" الضوء، الأحد (3 كانون الأول 2020)، على تعرض مترجمين عراقيين عملوا مع قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن على الأراضي العراقية لتهديدات أمنية وملاحقات من جانب جماعات مناوئة للولايات المتحدة، خاصة بعد اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في محيط مطار بغداد مطلع العام المنصرم.
وتحدث مترجمين اثنين باسماء مستعارة للموقع البريطاني الذي التقاهم في بغداد، عما تعرضا له والتهديد الذي يشعران به.
وينقل "بي بي سي عربي" وتابعه موقع IQ NEWS، عن "علي"، وهو اسم مستعار لمترجم عمل مع الجيش البريطاني ضمن قوات التحالف الدولي، قوله، "أشعر بالخوف، من خطر ما يحدق بي؛ من أن يقوم أحدهم في يوم ما بركل باب منزلي ويطلق خمس إطلاقات نارية، واحدة عليّ وأخرى على زوجتي وثلاث رصاصات على بناتي الثلاث".
ويخشى "علي"، من التعرض هو وأسرته للاستهداف بسبب طبيعة عمله ووظيفته التي "كان يعلم أنها ستكون وظيفة محفوفة بالمخاطر، لكنه يقول إنه سعيد بما يقوم به من منطلق شعوره بالوطنية"، كما يورد التقرير.
ويقول "علي" أن عمله بعد اغتيال المهندس وسليماني "أصبح فجأة أكثر خطورة، وهو لم يعد يعمل الآن لدى قوات التحالف، لكنه يشعر بأنه يترك ليواجه مصيره وحده مع انسحابهم من العراق".
معدة التقرير لموقع بي بي سي، الصحفية نفيسة كوهنفرد، تشير في تقريرها إلى أنها التقت بعلي وزمليه "أحمد"، وهو اسم مستعار أيضاً، في بغداد، وفضلا عدم الكشف عن هويتيهما حفاظاً على سلامتهما، و"كانا يبدوان خائفين".
وتنقل عن "علي" قوله، "لم نكن نعرف إلى أين نذهب أو إلى من نلجأ. فجئنا إلى بي بي سي، وكل ما نريده هو أن يسمع الشعب البريطاني وحكومة المملكة المتحدة أصواتنا وقصتنا".
وتقول نفيسة كوهنفرد إن الاثنين "عندما بدآ العمل مع الجيش البريطاني في العراق قبل عامين، قيل لهما إنهما بمثابة أفراد في عائلة كبيرة واحدة. كان ذلك كافيا بالنسبة لهما ليشعرا بالتزام عميق تجاه شركائهما الأجانب، وكانا جزءاً من مجموعة مكونة من ثمانية مترجمين فوريين، عملوا مع القوات البريطانية الخاصة التي جاءت إلى العراق كجزء من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش".
وتنقل عن وزارة الدفاع البريطانية قولها، إنه "إنه على مدى ست سنوات، ساعدت القوات البريطانية في تدريب أكثر من 120 ألف جندي عراقي وكردي"، مبينةً أن "المترجمين كانوا يساعدون المستشارين البريطانيين الذين تم نشرهم في إحدى القواعد الرئيسية للتحالف لتوفير التدريب للقوات العراقية الخاصة".
ويتحدث المترجم "أحمد" عن دوافعه للعمل بــ"بفخر" قائلاً "نحن نحب بلدنا العراق وقد أتوا (التحالف الدولي) لمساعدتنا"، مشيراً إلى أن المترجمين "كانوا أحياناً يقومون بأكثر من مجرد وظيفة الترجمة إذ كان يطلب منهم القيام باستطلاع حول محيط المعسكر عندما كان الجنود البريطانيون يشعرون بالقلق حيال سلامة المعسكر للتحقيق من عدم وجود أي خطر قد يهددهم".
وفجأة، يمضي التقرير، فإن كل شيء تغير في يناير/ كانون الثاني 2020، بعدما اغتيل المهندس وسليماني بأوامر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أصبحت القوات الغربية والعراقيون الذين عملوا معها "الذين وصفوا بالخونة" أهدافاً لجماعات مسلحة عراقية.
ويقول "علي"، "أصبحت الأحواء متوترة للغاية. حتى أن بعض القوات العراقية التي كان يتم تدريبها من قبل التحالف بدأت بمعاملتنا كعدو"، وفي تلك الفترة باتت قواعد التحالف تتعرض لهجمات صاروخية منتظمة.
وطلبت عدة جماعات عراقية من العراقيين الذين يعملون مع قوات التحالف الدولي "ترك وظائفهم فترة"، وعرضت عليهم أموالاً لقاء ترك هذا العمل.
عاطل ومهدد
يلفت التقرير إلى أن تفشي جائحة كورونا وفرض السلطات العراقية إغلاقاً عاماً وحظراً على التنقل بين المحافظات أوجبت على كل شخص يحتاج إلى السفر أن يكون اسمه ضمن قائمة تصاريح خاصة صادرة عن الحكومة العراقية ويتم إرسالها إلى جميع نقاط التفتيش في العراق.
ويقول "بي بي سي" إنه اطلع على قائمة وزعتها قوات الأمن العراقية وتضمنت وتضمنت الأسماء الكاملة والمسميات الوظيفية وأرقام الهوية وأرقام السيارات لجميع المترجمين الفوريين الثمانية في مجموعة علي وأحمد.
وأُبلغ الثمانية بالبريد الإلكتروني أن هذه القائمة قد أرسلت إلى نقاط التفتيش العراقية "لتسهيل حركتهم"، كما يورد التقرير "وكانت هذه الأنباء مرعبة بالنسبة لهم. ففي العراق، يتم إدارة نقاط التفتيش بشكل مشترك من قبل وحدات أمنية مختلفة"، وهذا يعني إمكانية تسرب القائمة، وهو ما يشعر به "علي" فعلاً.
وأشار التقرير إلى أن "أحمد" و"علي" ورفاقهم المترجمين الستة أصبحوا عاطلين عن العمل بعدما سلم التحالف الدولي ثماني قواعد عسكرية للقوات العراقية بدءاً من منتصف آذار الماضي وقلص عدد قواته الموجودة في العراق، حيث غادرت القوات البريطانية التي عمل معها هؤلاء المترجمين "في وقت أبكر مما هو مخطط له"، وبالتالي أجبرهم ذلك على الاختباء ونقل عائلاتهم إلى عناوين مختلفة كحل مؤقت.
وينقل "بي بي سي عربي" عن "علي" قوله، "يخيل إلي أنني أحمل قلبي في جرة مليئة بالدماء، وإذا تعثرت وسقطت أرضاً، ستنكسر الجرة وأموت".
ويقول الموقع، أنه نقل مشكلة هؤلاء المترجمين إلى نائب قائد قوات التحالف، الميجر جنرال البريطاني كيف كوبسي، واطلعه على القوائم المتداولة عند القوات العراقية باسماءهم ومعلوماتهم الشخصية، فوعد بإجراء المزيد من البحث حول المسألة، كما أكدت وزارة الدفاع البريطانية "استمرار تحقيقاتها" بهذا الشأن.
ويشير "بي بي سي عربي" إلى أن التهديدات التي يتعرض لها المترجمون العراقيون تعود لتاريخ طويل، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 "قتل ما لا يقل عن 40 شخصاً ممن عملوا مع الجيش البريطاني على أيدي جماعات مسلحة".
ويضيف، "الرغم وعلى الرغم من التهديدات المستمرة في السنوات التي أعقبت غزو العراق، الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ، رفضت المملكة المتحدة تقديم برنامج تأشيرة شامل يغطي جميع المترجمين الفوريين العاملين مع الجيش البريطاني".
وفيما نقل الموقع عن تقرير لوزارة الداخلية البريطانية منشور في شباط 2019 ورد فيه أن "مستوى الخطر على حياة المترجمين العراقيين منخفض الآن، بالنظر إلى حقيقة أن معظم الجماعات مشغولة بصراعاتها الداخلية
وكذلك القتال ضد داعش"، أشار "بي بي سي عربي" إلى أن "الوضع تغير بشكل واضح منذ مقتل سليماني والمهندس، لم يعد يستطيع كل من أحمد وعلي الشعور بالأمان. فهما قلقان من أن يُضاف اسماهما أيضاً إلى القائمة الطويلة للمترجمين الذين قُتلوا في العراق".