تمر اليوم ذكرى اليوبيل الماسي للجيش العراقي الذي تأسس في مثل هذا اليوم (6 كانون الثاني) قبل 100 عام (1921)، لكنها كانت أعواما مليئة بالتقلبات والتغيرات السياسية التي غيرت وجه البلاد.
في مثل هذه الأيام، قبل 21 عاماً، كان ضباط في الجيش العراقي يحضرون لاستغلال الاحتفال بعيد الجيش في 6 كانون الأول 1990، قبل الدخول إلى الكويت، لاغتيال رئيس النظام الأسبق صدام حسين، وأركان نظامه، مستثمرين الطريقة التي اغتيل فيها الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات (6 تشرين الأول 1981(.
المحاولة التي عُرفِت بـ"انقلاب الضباط الجبور"، وسبقت احتلال الكويت، قادها ضابط صغير من ضباط الدروع في قوات الحرس الجمهوري، وهو النقيب سطام الجبوري، واشترك معه النقيب محيي الجبوري، اللذان خططا لفتح نيران الدبابات والمدرعات تجاه المنصة التي يقف عليها صدام، لكن أحداً من المشاركين سرب المعلومات قبل التنفيذ، الامر الذي تبعته سلسلة من الاعتقالات والإعدامات بحق المنظمين.
وليست هذه آخر محاولة للإطاحة بالنظام الذي حكم بالحديد والنار، فأشهر المحاولات التي جرت بعد ذلك، هي محاولة انقلاب آمر قاعدة البكر الجوية غربي البلاد، اللواء الطيار محمد مظلوم الدليمي، والذي خطط لتحشيد فرق الحرس الجمهوري، لمحاصرة بغداد، ومهاجمة القصور الرئاسية ومراكز النظام المهمة، مستخدما مروحيات طيران الجيش، لكن محاولة تجنيد عناصر في الاستخبارات العسكرية، تسببت بتسريب المعلومات مبكرا، ما أدى لوأد المحاولة وإعدام جميع المشاركين.
باءت بعد ذلك كل المحاولات من هذا القبيل بالفشل، حتى تلك المدعومة من الخارج، فعلى سبيل المثال يقول السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي، في لقاء متلفز، إن السلطات الأميركية فاتحت نائب مدير أمن الناصرية آنذاك، رشيد فليح (قائد عمليات البصرة الذي أقيل العام الماضي) بتنظيم انقلاب على نظام صدام، ولكن فليح لم يتعاون ولم يبلغ القيادة التي عرفت فيما بعد بالأمر، وحاكمت 39 شخصاً، بأحكام تراوحت بين الإعدام والسجن، وكان من نصيب رشيد فليح السجن.
أما الفريق أول ركن نزار الخزرجي، رئيس اركان الجيش العراقي الأسبق، بعد هروبه سنة 1996 خارج العراق وانشقاقه عن نظام صدام، تحدث ودعا، في أكثر من موضعٍ إلى تنظيم انقلاب عسكري، بعيد عن المعارضة التي لم يكن يؤمن بها للإطاحة بصدام حسين، مستنهضا همم الضباط عبر انقلاب عسكري، فيما تخوض المعارضة حوارات مع الدول الغربية، والولايات المتحدة للإطاحة بصدام.
هذه المحاولات الفاشلة، سبقتها محاولات ناجحة غيرت وجه البلاد، فالعراق سبق منطقة الشرق الأوسط والدول العربية كافة، في تدشين عهود الانقلابات العسكرية التي تهدف لتغيير أنظمة الحكم، إبان القرن العشرين، بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936، ومن ثم الانقلاب الذي غير نظام الحكم في البلاد من حكم ملكي إلى جمهوري، وفيما لا تزال آثار تلك الانقلابات واضحة على مفاصل الدول (الانقلابية) اختلف المؤرخون في توصيف تلك الحركات بين "الانقلاب" و"الثورة".
انقلاب بكر صدقي 1936
انضم صدقي إلى الجيش العراقي الذي تأسس في 6 كانون الثاني 1921م، وعين برتبة ملازم أول، بعد التخرج من المدرسة الحربية العثمانية، (الكلية العسكرية) والمشاركة بالحرب العالمية الثانية في آخر سنواتها. وتدرج في رتبته العسكرية حتى وصل إلى رتبة فريق ركن في عهد الملك غازي واشتهر بالصرامة والقسوة.
وحينما التمعت في رأس بكر صدقي، فكرة إسقاط وزارة ياسين الهاشمي، بالقوة عن طريق القيام بانقلاب عسكري، بدأ التحرك بتكتم شديد لم تشعر به الاستخبارات العسكرية الفتية انذاك، وتمكن من إقناع رجال ذوي نفوذ داخل المؤسسة العسكرية في مقدمتهم الفريق عبد اللطيف نوري قائد الفرقة الأولى والعقيد محمد علي جواد قائد القوة الجوية، الطيار الخاص للملك للانضمام إلى فكرته وتأييد الإطاحة بحكومة الهاشمي.
وبعد أن دخلت القوات العسكرية إلى بغداد من بعقوبة، ألقت طائرات تابعة لصدقي أربع قنابل أمام مجلس الوزراء، وأمام مجلس النواب، وفي اليوم نفسه (29 تشرين الأول 1936) اغتيل وزير الدفاع، جعفر العسكري، بأوامر مباشرة من بكر صدقي، عندما حاول التفاوض مع الإنقلابيين بين بغداد وبعقوبة، لينتهي اليوم بتقديم رئيس الوزراء آنذاك، ياسين الهاشمي استقالته.
وبعد أن تولى منصب رئيس أركان الجيش، سيطر صدقي على مقدرات البلاد، وكان هو الحاكم الفعلي الأول، فقد رتب قوائم المرشحين لمجلس النواب ومعظمهم من المؤيدين له، وقد جرت الانتخابات في 20 شباط 1937 وجاءت النتيجة كما خطط لها سلفاً، وأصبح يمتلك ظهيراً قانونياً لبقائه سيد الموقف من دون منازع.
وبينما كان صدقي، في حديقة المطعم بمطار الموصل، منتظرا طائرة تقله إلى تركيا (11 آب 1937) تقدم جندي برتبة نائب عريف يدعى عبد الله التلعفري، نحوه ليقدم له المرطبات، لكنه كان يخبئ مسدسا تحت ملابسه، فأطلق النار على رأسه مباشرة، ثم وجه النار الى قائد القوة الجوية، محمد علي جواد، ففارقا الحياة على الفور، ليفشل بذلك اول انقلاب في الشرق الاوسط.
انقلاب رشيد عالي الكيلاني
وفي مطلع نيسان 1941، قاد العقداء الأربعة صلاح الدين الصباغ، وفهمي سعيد، ومحمود سلمان، وكامل شبيب، ما تعرف بحركة مايس، والتي أُجبر فيها رئيس الوزراء آنذاك، طه الهاشمي على تقديم استقالته، فيما هرب الوصي عبد الاله من قصره بلباس امرأة، ليعلن رشيد عالي الكيلاني (3 نيسان 1941) عن تشكيل حكومة الدفاع، وفي العاشر من الشهر ذاته، شكل الكيلاني وزارته الجديدة.
الكيلاني المعروف بمناهضة الوجود الإنكليزي في العراق، ودعواته المتكررة لتحرير البلدان العربية من الاستعمار، كانت لديه ميول نحو ألمانيا التي كانت تقود حربا عالمية إبان سيطر الكيلاني على الحكم، تمثل ذلك بتمتين العلاقة مع ألمانيا وإيطاليا واللقاء بهتلر، وإنشاء محطة اذاعة عربية سميت إذاعة "حيوا العرب من برلين"، التي تبث من العاصمة الالمانية.
وفي اليوم الثاني من أيار 1941، اندلعت الحرب بين القوات البريطانية في معسكر الحبانية بالأنبار، وبين قطعات من الجيش العراقي، فيما فرضت وزارة الكيلاني التعتيم (اطفاء الأنوار) في بغداد واطرافها لمنع الأضرار المتأتية من الغارات البريطانية"، ليستمر قصف الأخيرة الذي طال قاعدة الحبانية، وبغداد، والناصرية، حتى نهاية الشهر، ما أجبر رئيس الوزراء، رشيد عالي الكيلاني، والعقداء الأربعة على الهروب إلى إيران (31 أيار 1941).
انقلاب 14 تموز 1958
وبعد غليان المنطقة العربية بانقلابات وتحركات سياسية، بدا كما لو أنه لا مناص من تغيير الحكم في العراق، والتخلص من السيطرة البريطانية، وذلك من خلال الجيش الذي نفذ انقلابا عسكريا شاملا، بعد ان اختمرت هذه الفكرة في رؤوس "الضباط الأحرار"، بقيادة عبد الكريم قاسم، الذي قاد الانقلاب او الثورة كما يصفه البعض، حيث تغير نظام الحكم في البلاد والى الأبد من ملكي إلى جمهوري.
وبعد اجتماعات عديدة في غرف سرية، باغتت القوات العسكرية في وقت مبكر من صباح الرابع عشر من تموز القصر الملكي، وقتلت أفراد العائلة المالكي، بمن فيهم الملك فيصل، ووصيه عبد الإله، وإذاعة البيان رقم واحد، حيث تم تشكيل مجلس سيادة، قام بتعيين عبد الكريم قاسم في اليوم نفسه، قائدا عاما للقوات المسلحة ومن ثم رئيسا للوزراء، وتشكيل وزارة من 12 وزيرا، ثلاثة منهم عسكريون والبقية مدنيون.
وفي 26 من تموز من العام نفسه، أُلغي الدستور الملكي، وأعلن عن دستور مؤقت للجمهورية العراقية، احتوى على 30 مادة.
انقلاب الشواف
وبعد إحالة العشرات من الضباط العسكريين إلى المحاكم، وآخرين إلى التقاعد، وإقصاء وتحجيم دور الضباط الأحرار، وتفاقم المشاكل الناجمة عن "تفرد" عبد الكريم قاسم بالحكم، وفي خضم المعارك بين الشيوعيين والقوميين، نظم العقيد الركن عبد الوهاب الشواف (أحد الضباط الأحرار) انقلابا من الموصل، في 8 آذار من عام 1959، باء بالفشل، وانتهى بمقتل قياداته واعتقال مئات القوميين.
انقلاب شباط 1963
أما عبد السلام عارف، الذي أصبح بعد نجاح انقلاب 14 تموز الرجل الثاني في الدولة، فقد تولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهو برتبة عقيد اركان حرب، حتى دبت بينه وبين قاسم الخلافات الحادة التي أوصلته إلى الإعفاء من مناصبه عام 1959، وإبعاده كسفير للعراق في ألمانيا الغربية، وبعدها اتهم بمحاولة قلب نظام الحكم، فحُكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد ثم بالإقامة الجبرية لعدم كفاية الأدلة.
وفيما لم يُخطط الشواف بالصورة الصحيحة، كانت مخططات عبد السلام عارف في تنظيم الانقلاب أكثر دقة، فنُفِذ الانقلاب الذي قاده ضد زميله قاسم، صبيحة يوم الجمعة (8 شباط 1963)، المصادف لـ14 من شهر رمضان، لتسارع القوات الانقلابية بالسيطرة على مبنى الإذاعة، وإذاعة البيان الانقلابي، فيما حلقت طائرات تابعة لهم في سماء العاصمة، لتنتهي بمحاصرة عبد الكريم قاسم، وقتله في محاكمة صورية استمرت لدقائق معدودة.
وانتهت الانقلابات العسكرية "الناجحة" بمصرع عبد السلام عارف، إثر سقوط طائرة هليكوبتر تقله (1996) ليبدأ البعثيون بانقلاب أبيض دشن عهودا من الدموية، انتهت بسيطرة صدام حسين على مقاليد الحكم عام 1979، حيث أحكم قبضته على القوات العسكرية كافة، ما أفشل أي محاولة لتنظيم انقلاب جديد، وذلك بالإجهاز على اي تحرك من هذا النوع، وفور الإحساس به، خصوصا في فترة الثمانينات، إبان اندلاع الحرب العراقية الإيرانية.