وضعت الموازنة، لكن حبرها لم يجف بعد، إذا تحدد مبدئيا سعر برميل النفط فيها عند حاجز 42 دولاراً، فإن ارتفع على هذا السعر فهو "خير زائد" وإذا نقص عنه فهو "مشكلة".
صممت الموازنة العراقية لعام 2021، في ظل أسعار متأرجحة تصعد تارة وتنخفض أخرى وعلى نحو متسارع، نظرا لاتباطها بأزمة كورونا المستمرة، وبالتالي فهل سعر النفط المحدد فيها يلائم العراق؟ وما هي المخاطر المتوقعة إزاء ذلك؟، وما حكاية "المرض الهولندي" الذي يضرب اقتصاد العراق؟
السعر مصدر قوة
يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري في حديث لموقع IQ NEWS، إن "السعر الافتراضي لبرميل النفط في الموازنة، يجب أن يكون 35 دولارا، لأنه في حال هبوط الأسعار لأي سبب كان، فان ذلك سينتج إمكانيات كبيرة جدا للسيطرة على ميزان المدفوعات وفق الميزانية، كما أن سعر 35 دولارا سيكون قويا لوضع موازنة خالية من كل أنواع الهدر المالي في ظل ضائقة مالية حادة".
ويوضح الجواهري، "في حال كان لدينا فائضا في الموارد فيمكن أن يسدد ديون البنك المركزي، والتي بلغت لحد الآن 20 تريليون دينار أو توجيه بعض الأموال نحو الاستثمار المصدر للربح والذي يشغل العاطلين عن العمل أو إعادة توجيه البطالة المقنعة نحو المشاريع الاستثمارية للقطاع العام والمشترك".
"مأزق متوقع"
الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي يرجح، أن تكون الموازنة المالية في "مأزق زيادة العجز" عند حدوث انخفاض في أسعار النفط عن التقديرات التي وضعت في الموازنة، منوها إلى أن ارتفاع الأسعار سيقلل من العجز ويدخل فارق السعر كايراد خزينة مضاف يشطب من قيمة العجز ويقلل الحاجة للاقتراض الداخلي والخارجي".
ويقول محمد علي لموقع IQ NEWS، "من غير المرجح حدوث زيادة كبيرة في الأسعار خلال هذا العام، وبالمقابل من المرجح عدم الوصول إلى كامل تقديرات التصدير في الموازنة مع توقعات عدم إيفاء إقليم كردستان بالتزاماته النفطية مثل كل عام".
مخاطر متوقعة
يرى الناشط في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين موسى، أن تضمين الموازنة 42 دولارا لبرميل النفط يبدو ملائما، وإن كان فيه هامش من "المخاطر المتوقعة"، ومن خلال متابعة السوق العالمية أتوقع أن يرتفع سعر برميل النفط إلى 50 دولارا، خاصة إذا أبرم العراق صفقة جديدة بالبيع في الآجل لمدة عام إبتداء مع الصين، وهي صفقة عادلة تسعف الموازنة العامة، حيث يكون السعر النهائي عند التحميل وفق السوق العالمية السائدة على أن تتطور إلى خمسة أعوام.
ويقول موسى لموقع IQ NEWS، "سبق وأن دعونا إلى اعتماد سعر برميل النفط بأقل قيمة من السوق السائدة عالميا، وحسب حركة وتلبية السوق العالمية وفق تحليل النشاط الاقتصادي العالمي بشكل دقيق وحساب المخاطر من قبيل تداعيات انتشار كورونا"، مشيرا إلى أن العراق يعاني من ما أسماه بـ"المرض الهولندي الاقتصادي القائم على الريع الأحادي للنفط، ومن خلل في إدارة الايرادات النفطية وتوجيه معظمها للموازنة التشغيلية بحدود 70 بالمئة من الموازنة".
جدير بالذكر، أن "المرض الهولندي"، هو مصطلح اقتصادي يعني العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية أو الزراعية، والآلية بهذا الداء تكمن في أن ارتفاع عائدات الموارد الطبيعية أو تدفقات المساعدات الخارجية ستجعل عملة الدولة المعنية أقوى بالمقارنة مع الدول الأخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة صادراتها بالنسبة للبلدان الأخرى، بينما تصبح وارداتها أرخص، مما يجعل قطاع الصناعات التحويلية في الدولة أقل قدرة على المنافسة.
وأصل التسمية اشتق من حالة كسل وتراخٍ وظيفي أصابت الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 - 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، حيث هجع الشعب للترف والراحة واستلطف الانفاق الاستهلاكي البذخي، ما جعله يدفع ضريبة هذهِ الحالة ولكن بعد أن أفاق على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفها باستهلاكهِ غير المنتج فذهبت تسميتها في التاريخ الاقتصادي بـ"المرض الهولندي".
ويفترض مشروع الميزانية الذي يتطلب موافقة البرلمان أن يبلغ سعر النفط 42 دولارًا في السنة المقبلة، وصادرات النفط الخام 3.25 مليون برميل يوميًا.
وكان مجلس الوزراء صوت في وقت سابق على مسودة موازنة 2021، التي تضمنت سعر عالمي للنفط قدره 42 دولاراً للبرميل، قبل أن يرفعها إلى مجلس النواب لتعديلها والمصادقة عليها، وسط توقعات أن يواجه مشروع الموازنة إعتراضات كبيرة داخل قبة البرلمان، سيما بعدما أعلنت قوى سياسية كبيرة، موقفاً واضحاً برفض تمريرها.