لا تكاد مدينة في العراق تخلو من المتسولين، بيد أن هؤلاء لهم واقع مميز في مدينة "أم المگادي" التي سميت باسمهم، الى درجة توصف بأنها "عالم سفلي متشعب" يختفي أسفل زي المهنة الرث ورقابهم الملتوية.
"أم المگادي"، تسمية شعبية قديمة تطلق على كركوك، لكثرة اعداد المتسولين وسهولة العيش فيها للفقراء وذوي الدخل المحدود، وثمة الكثير من العنف والتعاسة والعصابات وحتى جرائم الاغتصاب تحصل هناك بصمت خلف ستار التسول.
"الله يرضا عنك عمو والله ما اكلت وجوعانة"، عبارة لا تمل أمل خالد ذو الـ17 عاما من ترديدها الى جانب عبارة التسول الكلاسيكية المشهورة، "حسنة قليلة تدفع بلاوي كثيرة"، بينما تتجول في تقاطع الصحة وسط كركوك.
خداع و "سرقة شرف"
"سرق شرفها وعذريتها من قبل وحوش بشرية"، بهذه العبارة روت أمل خالد لـ IQ NEWS، تفاصيل تعرض صديقتها زينة ذو الـ14 عاما للاغتصاب اثناء تسولها.
وتوضح خالد، أن صديقتها الصغيرة جميلة واغريت بالمال ووجبة عشاء من قبل غرباء صعدت معهم في سيارتهم، ليغتصبوها بالتناوب ويلقوها قرب دائرة البلدية وسط كركوك، وتركت تواجه مصيرها.
هذه الحادثة، واحدة من عشرات الجرائم التي تطال المتسولين وزادت حدتها في السنوات الاخيرة، الأمر الذي عدته أمل خالد "ضريبة للتسول".
يتكاثرون باستمرار
مساعد قائد شرطة كركوك اللواء الحقوقي علي مطشر يقول لموقع IQ NEWS، إن "ظاهرة التسول متشعبة وشرطة كركوك نظمت اكثر من حملة للحد منها، ولكن لعدم وجود قوانين تحصر هذه الظاهرة تقوم الشرطة بإطلاق سراحهم"، موضحا أن "الاوضاع الاقتصادية والحروب فاقمت هذه الظاهرة، كما أن ٩٠٪ من المتسولين الموجودين في كركوك هم ليسوا من اهالي المحافظة".
وأوضح مطشر، "في الاسبوع الحالي اعتقلت الشرطة ٩٢ متسولاً يتخذون التقاطعات والشوارع الرئيسية والاسواق مكانا للتسول".
"مافيات وعصابات"
الناشط عبد الرحمن علي، يقول في حديث لموقع IQ NEWS، إن "ظاهرة التسول واستغلال الاطفال لكسب النقود استفحلت في شوارع كركوك وهي غير حضارية وعلى الجهات الحكومية انهائها لأنها تهدد الأطفال".
ولفت علي الى أن "هناك مافيات وعصابات تعتاش على هذه الظاهرة، ويوجد أولياء امور يجبرون اطفالهم على التسول".
أما الباحث الاجتماعي عبد الكريم خليفة، قال لموقع IQ NEWS ، إنه "أعد دراسة ميدانية قادته الى أن المتسولين يرتادون أفخم المطاعم ويسكنون أفضل الفنادق ويعتبرون التسول مهنة".
قانون هَرِم
الخبير القانوني حسين طلال لموقع IQ NEWS، إن "التسول ظاهرة اجتماعية تؤثر على المجتمع، خاصة وأن التشريع الوحيد للحد من هذه الظاهرة وضع عام 1969 ضمن قانون العقوبات العام المرقم 111 المعدل والمتضمن المادة 290 والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة أشهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وجد متسولاً في الطريق العام والأسواق والأحياء السكنية، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة إذا تصنع المتسول الإصابة بجروح أو عاهة أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع لكسب إحسان الجمهور أو كشف عن جرح أو عاهة أو في الاستجداء، أما إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه أحكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب مخالفة" .
واوضح طلال، أن "المادة 291 من القانون تجيز للمحكمة أن تأمر بإيداع المتسول مدة لا تزيد عن سنة داراً للتشغيل من كان قادراً مهم على العمل أو إيداعه ملجأ أو داراً للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفا بها إذا كان عاجزاً عن العمل ولا مال لديه يقتات منه".
وأشار الى أن "المادة 292 نصت على الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أغرى شخصاً لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر والغرامة التي لا تزيد عن مئة دينار أو إحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجاني وليا أو وصيا أو مكلفاً برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص".
يذكر أن بغداد تحتل المرتبة الأولى في أعداد المتسولين، تليها محافظات كركوك والبصرة، بحسب مختصين، أوضحوا أن ظاهرة التسول ترتبط بارتفاع معدلات الفقر في العراق إلى مستويات قياسية لم تصلها البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي عقب الحرب العالمية الأولى.
وبحسب أرقام وزارة التخطيط وتصريحات مسؤولين وبرلمانيين، فإن معدلات الفقر في البلاد تجاوزت حاجز الـ 30 بالمائة بشكل عام، و41 بالمائة في المدن المحررة من تنظيم داعش.