ربّما لا يعاني سائقو السيّارات في أغلب عواصم العالم ما يعانيه السائق البغدادي، فالقيادة التي توصف غالبا بـ"المتعة"، تستهلكُ أعصاب كثير من الجالسين خلف مقاود سياراتهم، حتى باتت شوارع العاصمة تستدعي انتباها وتركيزا مضاعفين، بسبب الحفر والتخسفات المزروعة في الطرق الرئيسية والفرعية، فتضطرك أحيانا للمراوغة، وكأنك داخل لعبة إلكترونية لا تمهلك حتى ظهور عبارةGame over التي تختم كل لعبة، أو تدخلك في زحام غير مبرر بسبب بطء حركة العجلات الناجم عن تفادي السقوط بفخاخ تلك الحفر، أو الاستسلام لأعطال "صدر" سيارتك، أو النقل الى المستشفى.
يمشط أبو يوسف، سائق التكسي، منذ الصباح الباكر، شوارع بغداد المحفرة، والتي يحفظها عن ظهر قلب، شارعا تلو الآخر، متفادياً عشرات المطبات والحفر (الطسات)، الموجودة في الشوارع الرئيسية، والفرعية، منذ سنوات، بسبب الإهمال الحكومي، ليؤمن قوت عياله.
يتذكر أبو يوسف ذو الـ52 عاماً، أن مشاكل الطرق غير المعبدة، تفاقمت ما بعد سقوط النظام السابق، في 2003، بسبب إعادة تأهيل منظومة المجاري، وفي الوقت نفسه، يتحدث عن مناطق، يقول إن أعضاء في مجلس النواب، ومسؤولين، سكنوها، توفرت فيها كل الخدمات، مثل حي البتول في مدينة الكاظمية.
الطسة التي تفطر قلب السائق
وفيما يشير سائق التكسي، في حديث لموقع IQ NEWS، إلى أن "أغلب المطبات والتخسفات الموجودة في بغداد، بمرور التاجي، وطريق المطار، أو قناة الجيش، أو تقاطع العامرية، تتسبب بكوارث تطال الدراجات، والسيارات، والستوتات، ربما قد تودي بحياتهم"، يرى أن "(الطسات) والعلامات المرورية المثبتة بصورة غير صحيحة، تتسبب بنسبة كبيرة من الحوادث المرورية".
وتحدث بمرارة، باللهجة الدارجة عن "طسة تشق القلب، أمام مرور منطقة التاجي"، مؤكدا أن "أغلب تلك الطسات، موجودة أمام دوائر الدولة، والمرور نفسها، وتحت أنظار المسؤولين".
وفيما يتفادى زحامات العاصمة الخانقة، بالانسلال عبر الشوارع الفرعية، ينبه الى أن اللجوء إلى هذه الطرق، أفضل الخيارات المتاحة، بسبب كثرة الحفر، والمطبات التي تتسبب بمضار وأعطال آجلة.
مصيدة الضيف
الإهمال الحكومي، وطول فترات مكوث المطبات، والحفر في الشوارع، دفعت سكان بعض المناطق، إلى إجراء حملات تبرعات، لتعبيد الطريق المارة بمنطقتهم، فيما دربت سائقي السيارات على حفظ أماكن تواجدها، وحجم مخاطرها، في حدود المناطق التي يعتادون على قطعها يومياً.
يتحدث علي ستار، الموظف، الذي يضطر إلى قطع نحو 30 كيلو متراً من منطقة الحسينية، شمالي العاصمة، وصولا إلى منطقة الجادرية، وسط بغداد، عن قدرة سائقي سيارات العاصمة، على حفظ أماكن المطبات، قائلاً، إنها "مشكلة قديمة وشائكة، تعود لما بعد 2003، بسبب الحفر الناتجة عن المشاريع الوهمية، التي نُفِذت في بعض مناطق بغداد، وتسببت بإزالة الطرق المعبدة، دون إصلاحها مجددا".
ويضيف ستار: "أنا أقطع هذا الشارع يومياً، وعندما أصل إلى مطب يضر السيارة، أخفف السرعة تلقائياً، وإذا صادفني مطب جديد، أحفظ مكانه، لأني أعلم أنه قد يحتاج إلى عدة سنوات، لإصلاحه، حتى لو كان بالإمكان معالجته بسهولة، وبتكلفة قليلة"، لافتا إلى أن "سائقي السيارات من المحافظات الأخرى، يقعون في مصيدة المطبات والتخسفات، المنتشرة في شوارع العاصمة".
ويلفت إلى أن "أسباب المطبات عديدة، من بينها عدم تعبيد الشوارع، بعد إزالتها عند تنفيذ المشاريع الخدمية، وأخرى ناتجة عن خلل سببه انكسار مصدر للماء وإتلاف الشارع، أو عجلات الحمل، المخالفة للوزن، تتسبب بترك أثر بالغ الضرر على الشوارع، يؤذي السيارات الصغيرة، على وجه الخصوص"، مشيرا إلى أنه "شاهدٌ على إصلاح حفرة في أحد الطرق، بطريقة خاطئة، حولتها إلى مطب".
خارطة المرور لحوادث السيارات
مدير علاقات وإعلام المرور العامة، فادي الخزعلي، قال لموقع IQ NEWS، إن مديريته لا تملك إحصائية للحوادث المرورية التي تتسبب بها التخسفات، والمطبات في الشوارع، ولكن ستار يؤكد أن للطرق غير المعبدة دورا كبيرا في التسبب بحوادث السيارات، لا سيما في الطرق الرئيسية المهمة، مثل طريق محمد القاسم، ابتداءً من القناة والأنفاق الموجودة على قناة الجيش، والتي تحتوي على تخسفات كبيرة، خاصة الموجود أسفل جسر الشعب، وباتجاه الرستمية أيضا يوجد تخسفات واضحة، والطريق السريع باتجاه منطقة الدورة.
تلف الطرق، وتهرئها نتيجة المعارك، والعمليات الإرهابية، من 2003 حتى اليوم، وعدم صيانتها، وإدامتها، وقلة التخصيصات المالية، المرصودة إليها، وعدم مراقبة الطرق، من جانب التزام السائقين بقوانين السلامة، وضمان عدم المخالفات المرورية، فضلا عن كثرة عدد السيارات، كل هذا تسبب بزيادة الحوادث المرورية، والإصابات والوفيات الناتجة عنها، يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي.
ويوضح البياتي، في حديث لموقع IQ NEWS، أن "الإحصائيات المتوفرة ليدنا، تؤشر ارتفاعا ملحوظاً بعدد الحوادث المرورية، حيث كانت ما بين أعوام 2014 و2017، تصل إلى 8000 حادث في السنة، وارتفعت إلى نحو 9000 حالة، في 2018، ووصلت في 2019 إلى 18 ألف حادث".
وبين، أن "الحوادث خلفت 23 ألف ضحية، فيها أكثر من 5 آلاف حالة وفاة، أغلبها في الطرق الرئيسية وبعض منها في الطرق الفرعية، وأغلبها حوادث اصطدام وبعضها دهس"، منبها على أن هذا الملف، وعلى الرغم من أهميته وخطورته، لا يحظى بالاهتمام اللازم.
وباءت محاولات موقع IQ NEWS، بالفشل، في سبيل الحصول، على إحصائيات، وأرقام دقيقة، بما يخص أعداد المطبات، والتخسفات، والحفر، في شوارع العاصمة، ولا عن الآثار الناتجة عنها، على الرغم من اعتراف جميع الجهات المعنية بالموضوع، بأهمية هذا الملف، وخطورته، لا سيما وأنه يمس حياة المواطن مباشرة.
الطسة ذات الستة والعشرين عاماً
لا يسبقُ المطبات، المصنوعة أو الناجمة عن إهمال، أيّ إشارة أخرى، ليمر السائق بجحيمه الأكبر، والدخول في "الطسّة" دون تحذير، حيث إن العلامات المرورية في عموم العاصمة، قديمة، ولم يتم تجديدها، منذ سنوات.
"ألم الدخول في الطسة ليس أقل من ألم الولادة"، يقول السائق، وهو يُكمل قائلا إن "أسوأ أنواع الطسات هي تلك التي تجعل السيارة تطير عدّة سنتمترات، ثم تسقط، وتكون محظوظاً إن لم تنفجر إطاراتها".
وينبه السائق المخضرم على "طسّةٍ في بداية طريق محمّد القاسم، أسير فوقها منذ 1994، وحتى اللحظة كما هي"، مبدياً انزعاجه من التريث المستمر، وتخفيف السرعة، أمام كل مطبٍ، وحفرة، وتشوه في الشارع.
الزحام الذي يشل العاصمة، ويعطل أبو يوسف، عن كسب رزقه، لا يوفر غير الوقت اللازم الذي يُغرِقه بالتفكير، في ابتكار حلول يرى أن من شأنها حل أزمة الطرقات المركبة والمستعصية، في أن 500 ألف دينار (نحو 415 دولار)، من الممكن أن تعالج تخسفات ومطبات شارع كامل، بطول 4 كيلو متر، ويتساءل: "هل تعجز الجهات المسؤولة عن تعبيد شارع واحد، على الأقل، في عام؟".