قصر سعدة.. هدية الحنين الذي أعاد امرأة من البصرة إلى هيت
- 27-12-2022, 12:16
- مجتمع
- 2067

بمساحة تبلغ 200 متر مربع، تعلوه ثلاثة طوابق، وبناء من الحجر الصلب المقاوم للمياه وعوامل التعرية، يقبع قصر سعدة على ضفاف نهر الفرات، في قضاء هيت التابع لمحافظة الأنبار، تحكي أطلاله ونقوشه قصة حب انتهت بالاستسلام إلى الحنين، إذ اهدي القصر لسعدة تركت زوجها وعادت إلى مدينتها.
حكاية القصر وفق السير والمرويات التاريحية، تبدأ من قرية العطاعط على ضفاف الفرات، في قضاء هيت حين شيد في العصر العباسي، حينها ارتبط اسمه بحكاية أحد أمراء البصرة المقيم في قرية المشراق بمنطقة الأبلّة بالبصرة، بعدما تقدم لخطبة سعدة ابنة الشيخ الأحمد وكانت آنذاك تسكن أحد أحياء هيت.
وتنقل الحكايات أن سعدة رفضت في بادئ الأمر الزواج من الأمير البصري، بسبب بُعد البصرة عن الأنبار لكنها بعد ذلك اشترطت إيصال الماء إلى وادي نهر قديم يمتد من هيت بالأنبار حتى البصرة، ويبلغ طوله مئات الكيلومترات، هذا النهر الذي حفره منذ مئات السنين الملك شابور الثاني ليكون حاجزاً مائيا لحماية مدن غرب العراق ومنها هيت من هجمات قبائل الجزيرة العربية.
ويمتد الوادي من منطقة الحسنية بالأنبار حتى مدينة الأبلّة بالبصرة، ورغم استحالة تنفيذ الشرط لكن الأمير البصري وافق على الشرط الوحيد للزواج من سعدة.
وبعد أيام أعاد البصري الحياة للوادي المندثر، وأوصل له الماء مجدداً من نهر الفرات، ليصل الماء من الفرات وحتى البصرة، وصار النهر المستحدث يحمل الاسم نفسه في كل من هيت وكربلاء والنجف والديوانية نزولا إلى منطقة الأبلّة في البصرة وهو (كري سعده او جري سعده)، كما قام بإعمار القناطر التي بناها سابور الثاني على النهر.
وحين جرى الماء في النهر، تزوج الأمير البصري من حسناء هيت، حيث تم زفافهما في النهر الجديد.
لكن سعدة لم تستطع المكوث في البصرة طويلاً.. فقد أضناها الحنين لهيت وسكانها مما دفعها بعد شهرين الى هجرة الأمير والبصرة والعودة الى هيت، ونذرت سعدة أن تهدي خلخالها الذهبي إلى صاحب أول ناعور ماء يصادفها في طريق عودتها إلى اهلها، وكان اول ناعور يصادفها في منطقة قرية الدرستانية عند تخوم هيت فقامت بخلع خلخالها وعلقته على الناعور.
وإكراماً لعودتها إلى ديارها، بنى الشيخ الأحمد قصرا صغيرا على ضفة الفرات مباشرة بشكل رباعي الأضلاع وبتصميم جميل تبلغ مساحته 200 متر و يتكون من ثلاثة طوابق تشمل الأسس والسراديب وطبقتين علويتين أخريين واستخدمت في بنائه الحجر الصلب المقاوم للماء والنورة أو "الجير المطفأ" .. واسماه قصر سعدة، ليكون آية معمارية في قلب الصحراء.
وبحسب الروايات فقد ظل قصر سعده عامرا وتسكنه أسر من عشيرة آل باني وذلك حتى عام 1965 و لكن الفيضانات غمرته واتت على موجوداته عام 1968 واصبح يشكو الإهمال وهو بحاجة الى حملة إعمار وصيانة من قبل هيئة الآثار، وتحويله إلى معلم أثري وسياحي.
وعودة الى "كري سعده" هذا النهر الصغير الذي كراه الأمير البصري واندثر فيما بعد .. فقد أصبح خندقا يمثّل الحد الفاصل بين النجف والكوفة وتشير المصادر التاريخية إلى أنه أعيد حفره قبل حوالي 300 سنة لإيصال الماء إلى مدينة النجف من نهر الفرات وشيدت على هذا الخندق قنطرة مبنية من الآجر عليها أربعة منارات صغيرة يطلقون عليها أم قرون وما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا.
وجرت محاولات لإعادة إحيائه مرة أخرى في القرن الماضي أيام العهد الملكي، إذ تم كريه وإيصال الماء اليه من جديد و تم افتتاحه رسميا من قبل الملك فيصل الاول ملك العراق في 5/4/192، ليبقى هذا النهر والقصر شاهدين على قصة حب انتهت بالحنين للديار وترك الحبيب.