نشرت صحيفة القضاء، التابعة لمجلس القضاء الأعلى، تقريرا عن تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012 بهدف مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والحد من انتشارها ومعالجة آثارها ومعاقبة مرتكبي هذا الفعل.
واشارت إلى ان "هذا النوع من الجرائم اتسع ليشمل الاتجار بالأعضاء البشرية إضافة إلى تجارة الجسد وتلك آفة خطيرة تسربت إلى جسد مجتمع محافظة نينوى الذي لا يزال يعاني من آثار الاحتلال الداعشي وتراكمات تحريره منه".
ونقلت صحيفة القضاء، عن قاضي محكمة تحقيق الموصل/ الايسر المختص بالنظر في قضايا الاتجار بالبشر مجيد حميد اللهيبي الذي تحدث عن قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012، قوله إنه "عالج مثل تلك الجرائم وبين في مادته الاولى المقصود بالاتجار بالبشر على وجه دقيق ورصد في المادة الخامسة منه العقاب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن خمسة ملايين ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار لكل من يرتكب تلك الجريمة، أي أن المشّرع اعتبرها جناية كما انه رفع العقوبة بالمادة السادسة من القانون إلى مدة لا تزيد عن (15 سنة) وغرامة لا تزيد عن (10) ملايين لخطورة هذا النوع من الجرائم".
وأضاف القاضي أن "جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية تعد من الجرائم الحديثة على مدينة الموصل حيث شهدت معدلاتها تزايداً بشكل ملحوظ بسبب انتشار ظاهرة البطالة وتفشي الفقر الامر الذي ادى الى تحول تلك الجريمة من الطابع الفردي الى الجماعي المنظم، اذ اشترك مرتكبوها بعصابات تمتهن المتاجرة بالأعضاء البشرية لأجل تحقيق مكاسب مادية".
وأشار القاضي الى ان "المتاجرين بالأعضاء البشرية يقدمون العروض المادية المغرية للضحية او الوعد بإيجاد عمل مستمر مربح، كما ان وجود المستشفيات المتطورة في اقليم كردستان العراق والتي يتم فيها فصل الاعضاء البشرية كانت عاملا مساعداً لامتهان الكثير من الاشخاص مهنة السمسرة في تجارة الاعضاء البشرية. اضافة الى وجود المقاهي والكافيهات التي بدورها سهلت بيع النساء او الاطفال للعمل بتلك الأماكن".
اما عما يعرف بتجارة الجسد فبين القاضي ان "هذا النوع من الجرائم شكل ازديادا أثناء سيطرة التنظيمات الارهابية على مدينة الموصل عام 2014 وإشاعتهم السبي وبيع النساء ولكن هذه الفكرة الهمجية اضمحلت بعد تحرير المدينة من تلك العصابات الإجرامية".
إحصائية الجريمة
وفي اجابته على سؤال عن نسب الجرائم أوضح القاضي انه "بواقع الحال لا يمكن ان نضع نسبة مئوية لانتشار جرائم الاتجار بالبشر في مدينة الموصل سواء في عام 2020 او قبله وبعده لان ما تم اكتشافه من هذا النوع من الجرائم قليل جدا قياسا بحجم انتشارها كون اغلبها يسودها الكتمان خوفاً من العقاب".
وفي احصائية سنوية لسنة 2020 سجلت من قبل شعبة الإحصاء في رئاسة محكمة استئناف نينوى الاتحادية وجود (28) دعوى متعلقة بهذا الجانب. (23) منها خاصة بالذكور و(5) للإناث.
أسعار صادمة!!
واطلعت "القضاء" على بعض القصص التي وصلت المحاكم، مسجلة اعترافات بعض المتهمين أمام قاضي التحقيق.
أحد المتهمين ممن اعترفوا أمام قاضي التحقيق قال: "قمت ببيع كليتي بمبلغ قدره (12) مليون دينار بعد اتفاقي مع شخص مختص بسمسرة بيع الاعضاء البشرية واصطحبني الى المستشفى واجريت الفحوصات الطبية واستحصلت الموافقات الامنية وتمت العملية واستلمت المبلغ".
أما المتهم (ق) فقد اعترف قائلا "قمت ببيع كليتي بمبلغ (7) ملايين دينار بعد تعرفي إلى مرشد أوصلني الى مكان بيع الكليات والتقيت هناك بشخص آخر اخبرني عن الطريقة والإجراءات المطلوبة لتحقيق مطلبه وتم ذلك!
اتساع الجريمة
ويبدو أن جريمة الاتجار بالبشر تتسع أحيانا لترتبط بها جرائم اخرى كجريمة التزوير والنصب والاحتيال وجريمة التهديد تمهيدا لارتكابها.. فقد ذكرت إفادة لأحد المتهمين الذي يروي اعترافه أمام قاضي التحقيق "قبل حوالي عشرين يوماً من القبض علي التقيت بأحد الأشخاص وقد أقنعني ببيع كليتي لقاء مبلغ (9) ملايين دينار وكوني أعاني من البطالة والفقر وافقت فورا واخبرني عن الإجراءات المتبعة لاتمام ذلك، وكان من بين تلك الاجراءات تقديم تعهد خطي من ولي الأمر في حين أن والدي متوفيان الأمر الذي دفعني الى الاتفاق مع امرأة تدعى (ف) للقيام بدور والدتي مقابل مبلغ من المال مقداره (750) الف دينار حيث قمت بتزوير هويتي ونسبت اسم (ف) بحقل اسم الام في هوية الأحوال المدنية التابعة لي وتمت العملية واستلمت المبلغ".
النصب والاحتيال
من جانبه، يعترف متهم آخر للقضاء بارتكابه جريمته قائلا: "انني اقوم مع متهم ثان بالتواجد في كازينو تقع في الجانب الايمن من مدينة الموصل نقوم هناك بإقناع الناس والاحتيال عليهم واستدراجهم لبيع اعضائهم البشرية، حيث قمنا بأخذ مبالغ نقدية منهم تقدر بـ(100) الف دينار وكافة مصاريفنا من شاي واركيلة ورصيد لهواتفنا عن كل مكالمة نجريها معهم. وبعدها لذنا بالفرار واقفلنا هواتفنا وبعد فترة لا تتجاوز الشهرين عدنا لتكرار الفعل مرة ثانية في المكان نفسه".
وبدورها، تقف المشتكية (غ) امام القاضي لتروي شكواها قائلة: "قبل حوالي سنة فاتحني زوجي بموضوع بيع كليتي واننا بحاجة الى المال وهذا الامر سوف يساعدنا لجلب اجهزة حديثة للمنزل".
ولكنني رفضت ذلك الامر –تقول المشتكية- وقام بتهديدي بإيقاع الطلاق وإرسالي الى بيت اهلي، وبعد أشهر من عودتي الى دار الزوجية علمت انه باع كليته لقاء مبلغ مقداره (10) آلاف دولار اميركي قام بإنفاقها على شرب الكحول وتعاطي المواد المخدرة.. واسترسلت المشتكية في الحديث بغصة الم تعتري صوتها قائلة ان "زوجي قام بتشويه سمعتي وضربي ضرباً مبرحاً كوني رفضت للمرة الثانية عرضه لي ببيع كليتي وعلى اثر ذلك اوقع الطلاق علي".
وتواصل "بعد مدة تم الصلح واصطحبني الى المستشفى مكرهة لإجراء الفحوصات المختبرية المطلوبة لبيع كليتي الا انها جاءت سلبية ولم تسمح لي بالقيام بهذا العمل والتضحية بأحد أعضائي ارضاءً لإدمانه"!
امتهان المتاجرة
المتهم (س) يفصح عن خيوط جريمته للقضاء قائلا "تعرفت على شريكي (ج) اثناء ترددي الى السوق وتطورت علاقتنا لتصبح بيننا صداقة حيث اخبرني انه يعمل دلال (سمسار) في بيع وشراء الكلى البشرية وطلب مني العمل معه لان هذه المهنة سهلة وتدر المال الكثير حسب قوله، ثم شرح لي طبيعة عملي القادم معه في حال مشاركتي واياه وهو القيام بجلب الشباب اليه ممن يرغبون ببيع كلاهم مقابل اعطائي مبلغ مقداره (500) الف دينار عن كل شخص فوافقت على عرضه وباشرت عملي هذا مستخدما اسلوب الاقناع تجاه الضحايا، وفعلا استطعت احضار المدعو (ص) الى شريكي في الجريمة (السمسار) وحصل الاتفاق معه واستلمت حصتي من تلك الصفقة والتي كانت مبلغاً مقداره (400) الف دينار.
نقرة تصفح على الفيس بوك شكلت بداية للجريمة
يروي المتهم (م) للقضاء تفاصيل احداث جريمته "انني بأحد أيام ربيع عام 2019 كانت لي رغبة في شراء سيارة ولم يكن لدي المال الكافي فراودتني فكرة بيع كليتي وذهبت مسرعا اتصفح مواقع التواصل الاجتماعي باحثا عن صفحات مختصة ببيع الكلى الى ان وجدت ضالتي بإحداها، حيث شاهدت صفحة قدمها القائمون عليها بأنها متخصصة بالمتاجرة بالكلى وفيها رقم هاتف قمت بالاتصال به والاتفاق مع من تحدث معي على صفقة بيع الكلية ومبلغها، وتم وتحديد موعد لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة واجريت العملية واستلمت مبلغ مقداره (12) مليون دينار لقاء ذلك".