بعد جولة طويلة من صيدلية لأخرى، تمكن علي كاظم (28) عاما، من العثور على الأدوية التي وصفها الطبيب لزوجته المصابة بفيروس كورونا.
وأدرك علي، وهو موظف في مصرف الرافدين، أن معاناته لم تنته عند هذا الحد، إذ أنه سيعاود رحلة البحث لحين تعافي زوجته تماماً.
ويقول إن "المشكلة الأكبر ليست لدي أنا، فمعي سيارتي وأستطيع الذهاب إلى أي مكان لجلب الأدوية. أما من لا تتوفر لهم تلك الوسيلة في المناطق الشعبية والأرياف فإنهم يجدون صعوبة في الحصول على الدواء".
وقصد علي أكثر من 5 صيدليات، لكنه لم يجد سوى صنفين من أصل 4 أنواع من الدواء اللازم لتعافي زوجته.
"بعد جولة بحث حديدة، عثرت على بقية الأصناف في الصيدلية المجاورة للطبيب المختص في علاج مرضى كورونا، وكان السعر مضاعفاً عما موجود في الصيدليات الأخرى، هذا إن وجدت الدواء أصلاً".
"ممارسات تجارية"
من جانبها، لم تعاني السيدة مريم صاحب (61 عاماً) في العثور على علاج لأبنها الذي أصيب بكورونا، فأصدقائه الذي يعملون في قطاع الرعاية الصحية والصيدليات كانوا يوفرونه له بـ"سهولة"، كما تقول.
وظهرت أعراض الإصابة على هذه السيدة وبناتها وابنها منذ أكثر من شهر، لكن التحاليل والأشعة بيّنت أن الأبن فقط من يحمل الفيروس.
تسكن مريم، صاحبة صالون للتجميل، في حي راقٍ ولم تواجه ممارسات تجارية مثل التي تسمع عنها في الأحياء الشعبية.
"يقولون إن هناك صيدليات كثيرة تخفي الأدوية لترفع الأسعار"، تضيف.
ورغم أنهما يدرجان ضمن الأدوية الشائعة الاستخدام، إلا أن مصطفى مهدي، ذو الـ32 عاماً، عاش "أزمة" للحصول على مستحضر "باراسيتامول" من إنتاج شركة أجنبية، وأقراص الزنك المعززة للمناعة ومضاد حيوي وصفه الطبيب لزوجته المصابة بفيروس كورونا.
كما ارتفعت أسعار الكمامات الطبية والمعقمات في الصيدليات، وشحت خلال الأيام الأولى لدخول فيروس كورونا إلى العراق في شباط 2020.
ولا تقتصر "المعاناة" على ذوي المصابين بكورونا.
ويقول الناشط أحمد القاسم، إن مستشفيين في بغداد رفضا استقبال حالات يشتبه إصابتهما بفيروس كورونا، مشيراً إلى شكوك راودت الكثير من المواطنين عند بداية جائحة كورونا بشأن قدرة وزارة الصحة على مواجهته والحد من انتشاره.
"الأسعار المرتفعة تؤخر التعافي"
لم يقتصر ارتفاع أسعار الأدوية التي يمكنها معالجة المصابين بكورونا على العراق فقط، إذ ارتفعت الأسعار عالمياً، ما يعني صعوبة حصول الكثير من المرضى على الدواء.
على سبيل المثال، فإن عقار "سوفوسبوفير" الذي يعالج مرض التهاب الكبد سي، يكلف صنعه 5 دولارات ولكن سعره الحالي في الولايات المتحدة هو 18610دولار.
أما عقار "بيرفينيدون" المستخدم لعلاج تليف الرئة، والذي يكلف صنعه نحو 31 دولار ويكفي لدورة علاج تستمر حتى 28 يوماً، فإنه يكلف في الولايات المتحدة 9606 دولار، و6513 إذا كان المرضى قادرين على الحصول عليه عبر وزارة شؤون المحاربين القدامى.
وغالبا ما تدافع شركات تصنيع الأدوية عن أسعارها المرتفعة بالقول إن تكاليف الانتاج والمواد الأولية مرتفعة جداً.
في المقابل، يقول باحثون إنهم حسبوا سعر النسخة النموذجية أو العامة المروضة في الصيدليات، وطرحوا تكاليف التصدير والضرائب ووضعوا هامش ربح بمقدار 10 %، ومع ذلك وجدوا "مبالغة في سعر البيع".
وشكا مواطنون عراقيون ارتفاع أسعار الأدوية، قائلين إن بعض العائلات اضطرت لبيع حاجيات المنزل لتوفير الدواء لأفرادها المصابين بكورونا.
وتقول "أماني خالد" وهي موظفة في دائرة حكومية، إن الميزانية الشهرية العائلية المخصصة للطوارئ تلاشت أمام غلاء الأدوية، بينما قال "محمد محمود"، الذي يعمل محاسباً، إن ارتفاع الأسعار "أمر غير محتمل وتعجيزي".
لكن وزارة الصحة العراقية، تؤكد أن الأدوية اللازمة لعلاج كورونا متوفرة في مستشفياتها، وكذلك اللقاحات المضادة للفيروس، بينما يتخوف مواطنون من زيارة المستشفيات عند الإصابة، أو تلقي اللقاح حتى.
"تهالك" المنظومة الصحية العراقية يلقي بظلاله
منذ تسجيل العراق أول إصابة بفيروس كورونا في شباط 2020، سارعت السلطات إلى اتخاذ تدابير احترازية مثل الإغلاق العام ومنع التجمعات وتعليق الدوام في المؤسسات الحكومية والمدارس وإغلاق المطاعم والمقاهي.
وواجهت المؤسسات الصحية تحدياً كبيراً في مواجهة جائحة كورونا، بسبب نقص كوادرها وقلة المعدات.
ويرجع البعض هذه الأمور إلى "الفساد" وإلى سنوات من العقوبات الدولية التي فرضت على العراق منذ 1991.
يصف عمر الديوه جي، وهو طبيب و انثروبولوجي عراقي من جامعة روتجرز الأمريكية، القطاع الصحي العراقي بالـ"متهالك" بسبب عقود من الإهمال و الفساد.
ويزيد هذا، كما يرى الديوه جي، من خطر انتشار كورونا.
من جانبه، يقول ممثل منظمة الصحة العالمية عدنان نوار، إن وزارة الصحة العراقية "تعمل يداً بيد" مع منظمته لمواجهة كورونا، فتحصل على معدات الكشف والنصائح وتزويد المستشفيات بغرف للعزل الطبي.
في أحدث موقف وبائي نشرته وزارة الصحة العراقية اليوم، بلغ عدد حالات الإصابات الكلي بكورونا منذ بدء انتشار الفيروس في العراق وحتى الآن، 1274629 إصابة، مع 16811 وفاة ناجمة عن الفيروس، في مقابل 1188422 حالة تعافٍ.
أما عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح المضاد لكورونا في العراق، فبلغ 751164 شخصاً.
"فرار آلاف الأطباء"
ورصد تقرير نشرته وكالة رويترز في شباط 2020، حجم "الضعف والتهالك" في القطاع الصحي في العراق.
وقالت وقتها، إنه "بعد سنوات من الفساد و العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة على العراق، فإن القطاع الطبي يعاني من إهمال شديد، خاصةً بعد فرار الآلاف من الأطباء ونقص العقارات الطبية بالإضافة إلى تخصيص نسبة 2،5% فقط من إيرادات الدولة البالغة 106،5 مليار دولاراً (95،8 مليار يورو) لميزانية القطاع الصحي ".
غيّر فيروس "كورونا" طبيعة وشكل الحياة على كوكب الأرض، فمنذ انتشاره أواخر العام الماضي 2019 مثل النار في الهشيم، وتسلله إلى قطاعات التعليم والعمل والتجارة والحياة الاجتماعية، وضع قوانينه الخاصة، وبدّل العادات وأنماط التعايش في المجتمع .
من: إخلاص الأميري
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".