كان لتأخر صرف رواتب موظفي الدولة بالموعد المحدد خلال الثلاثة أشهر الماضية، بمثابة ضربة قاضية للأسواق المحلية في محافظة ذي قار، والتي تعاني أصلاً من ركود وحركة بيع بطيئة بفعل الأزمات الاقتصادية والأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة والمخاوف من أسعار النفط المتقلبة، حتى بات شبح البطالة والفقر يهددان الكثيرين منذ عام.
وبدت علامات القلق لدى تجار السوق المحلية وأصحاب المحال التجارية واضحة، في وقت مبكر من العام الجاري، بسبب أعمال العنف التي رافقت الإحتجاجات وتفشي كورونا والأزمات السياسية المتعلقة بالرواتب وتأخرها، والتي ساهمت في تراجع الحياة الإقتصادية بشكل كبير هناك.
"ابو سيف العبودي"، وهو صاحب محل لبيع الاكسسوارت وملابس الأطفال والعطور، يقول لموقع IQ NWES، إن "السوق لم يعد كسابق عهده.. نحن نعاني قبل سنوات من ركود يتحرك فقط خلال أيام توزيع الحكومة للرواتب، وهي في الغالب أربعة أو خمسة أيام فقط".
ويضيف أن "حركة السوق اليوم محدودة ولا يمكن القول إنها منتعشة، وما نحصل عليه من أرباح بالكاد تغطي مبلغ ايجار المحل، وهو مليون وربع المليون دينار، إضافة إلى تغطية بعض التفاصيل الجزئية البسيطة المتعلقة بالمحل أو الاحتياجات الشخصية للعائلة".
ويتابع "ابو سيف العبودي"، "في الفترات الماضية، 60% من أعمالنا تتوقف على الرواتب وشراء الإحتياجات بالآجل، وشراء البضاعة على التصريف وما نحصل عليه بالنسبة للسلع المستوردة، إلا أننا توقفنا في الوقت الراهن عن اعطاء بضاعة بالآجل"، لافتا إلى أن "سجل الديون ممتلئ وقد تجاوز الـ15 مليوناً، وفي بعض الأشهر لا احصل حتى على مبلغ ايجار المحل فاضطر إلى دفعه من مالي الخاص".
وتبدو الحياة في الأسواق "هادئة" في وقت تخيم ملامح الإحباط على وجوه الباعة وأصحاب المحال التجارية، الذين بدأوا بتخفيض أسعار بضائعهم خشية أن تبقى مكدسة في المخازن، حسبما قال بعضهم.
الموظفون سييتعثرون في تسديد ما عليهم من ديون سابقة، حتى لو تسلموا رواتبهم المتاخرة، الأمر الذي دفع الباعة للتوقف عن البيع بـ"الآجل"، كما يرى أصحاب محال تجارية في ذي قار.
"السوق يحتضر"
"ما يؤلمنا بشدة، أننا مضطرون لدفع الإيجارات كاملة لإصحاب العقارات والمحال رغم الأزمة الاقتصادية وتراجع أعمالنا"، يقول علي العوادي، صاحب متجر للمستلزمات الطبية في ذي قار، مؤكدا على ضرورة الاهتمام بالجانب الانساني وإعانة المؤجرين الذين يعتاشون على حركة السوق، وهذا لا يشملنا نحن فقط بل حتى أصحاب البسطات والمحال الصغيرة الذين لا يملكون أي مصدر دخل آخر"،
ويضيف العوادي خلال حديثه لموقعIQ NWES . إن "السوق يحتضر، ونحن نكتفي بمشاهدة ذلك، فقط"، مشيرا الى أن "النشاط يحي السوق من جديد لأيام قليلة عندما توزع الرواتب، لتعود الرتابة بعدها في عملية البيع وتنحسر".
وبحسب مراقبين، فأن الكثير من أصحاب المحال التجارية سرحوا العاملين لديهم أو قلصوا الأعداد إلى النصف خلال الاونة الاخيرة، وقد اضطر قسم كبير من هؤلاء للجلوس في المنزل دون أي عمل".
وتعتبر ذي قار، التي صوت البرلمان العراقي نهاية عام 2019 على اعتبارها "مدينة منكوبة"، واحدة من المحافظات التي ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة الى معدلات قياسية، إلا أن المحافظة لم تشهد اي تغيير على ارض الواقع عقب تصويت البرلمان.
ويشير رئيس اتحاد نقابة العمال في ذي قار هاشم العبادي، خلال حديثه لموقع IQ NWES، إلى تضرر أعمال نحو 80% من العمال في المحافظة منذ بداية العام الجاري بفعل جائحة كورونا، كاشفا عن استجابة وزير العمل والشؤون الإجتماعية لرسالة استغاثة بتسجيل العمال المتضررين، إلاأنها لم تكن سوى تصريحات اعلامية، اذ لم يجني العاملون أي نتيجة".
من جهته، يقول المراقب الاقتصادي رشيد حميد، إن "الحركة الاقتصادية في الاسواق تعتمد على التمويل الحكومي سواء بشكله المباشر المتمثل بالرواتب أو الشركات العاملة مع الحكومة، لأن القطاع الخاص هو قطاع ضئيل في عموم العراق، كما أن تأخر صرف الرواتب أثر على المصارف الحكومية التي تمنح سلفاً وقروضاً للمواطنين والموظفين، وهذا الحال سيستمر لحين استقرار مواعيد صرف الرواتب".
ويلفت حميد، إلى أن "محافظة ذي قار تعاني الآن من الفوضى ووضعها الامني غير مستقر بسبب الصراعات الموجودة"، عاداً "قضية الرواتب بالخلافات السياسة جريمة بحق الناس الذين يعانون من وطأة الأزمة الاقتصادية".
ومنذ أسابيع، ترصد غرفة التجارة في ذي قار تراجعاً واضحاً في حالة السوق المحلية بالمحافظة مع وجود مخاوف من انهيار اقتصادي هناك.