أثار الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق في تركيا وسوريا فجر الاثنين الماضي وأودى بحياة نحو 22 ألف شخص في البلدين وتسبب في دمار هائل، مخاوف عدة خاصة في الدول القريبة منهما، وأولها العراق.
وامتدت توابع الزلزال إلى مناطق في إقليم كردستان، ما دفع السلطات إلى تعطيل الدوام الرسمي 3 أيام، بينما فتح العراق جسراً جوياً مع تركيا وسوريا لإيصال المساعدات الإغاثية وأرسل فرق إنقاذ إليهما.
لم يعرف العراق في تاريخه زلزالاً قوياً بسبب طبيعته الجغرافية وتضاريسه، لكن بعض أراضيه تصنف كمناطق نشاط زلزالي.
ويقول أستاذ علم الزلازل في كلية العلوم في جامعة البصرة، واثق عبد النبي، إن المنطقة الممتدة على طول الحدود مع إيران، بدءاً من مندلي في محافظة ديالى مروراً بقضاء بدرة في واسط وحتى منطقة الطيب في ميسان جنوبي العراق، هي الأكثر نشاطاً زلزالياً في العراق.
وهذه المنطقة، كما يوضح عبد النبي، "هي مكان صدع يعرف بصدع (مندلي – بدرا – الطيب) ناتج من حركة انضغاطية تحدث بسبب تصادم الصفيحتين العربية والإيرانية".
وخلال الفترة بين (1900 – 2020) حدثت مئات الهزات الأرضية على طول هذا الصدع، وبمقدار لم يتجاوز الستة درجات، وفق أستاذ علم الزلازل "لكن هذا لا يمنع من حدوث هزة أرضية تتجاوز هذا المقدار".
ويرجع واثق عبد النبي ذلك إلى 3 أسباب، الأول منها هو موقع الصدع من نطاق التصادم، إضافة إلى الطول الكبير للصدع (يتناسب مقدار الزلزال طردياً مع طول الصدع المسبب له)، والسبب الثالث هو الحركة المعكوسة عليه.
أما المنطقة الثانية في شدة المخاطر الزلزالية هي المنطقة الواقعة ضمن النطاق الجبلي للعراق، وتشمل محافظات دهوك، أربيل، السليمانية، كركوك، الموصل.
والمنطقة الثالثة هي منطقة سهل وادي الرافدين، والمنطقة الأخيرة هي الصحراء العراقية الممتدة من أسفل نهر الفرات في الأنبار لغاية غرب البصرة.
وإثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، اتخذت السلطات العراقية عدة إجراءات، بينها استنفار جهود الاستجابة للكوارث الطبيعية.
كما قدمت مديرية الدفاع المدني توصيات للسكان حول التعامل مع الهزات الأرضية أو الزلازل، وتتلخص في مغادرة المساكن وخاصة العمارات العالية واللجوء إلى ساحات مفتوحة بعيداً عن الأسيجة والمسقفات والأشجار المتيبسة مع تجنب استخدام المصاعد، وعدم الذعر والفزع والتعامل بهدوء.
أجهزة الرصد في العراق
ويؤكد أستاذ علم الزلازل في قسم علوم الأرض في جامعة البصرة، واثق عبد النبي، وجود أجهزة رصد زلزالي في العراق موزعة على شبكتين رئيسيتين، هما أولاً، شبكة الرصد الزلزالي العراقي والتابعة إلى هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي في وزارة النقل.
وتتألف هذه الشبكة من 5 أجهزة موجودة في محافظات الموصل وكركوك وبغداد والكوت وذي قار.
وثانياً، شبكة وادي الرافدين التي يديرها أساتذة مختصين من عدد من الجامعات العراقية ومركز جمع بياناتها هو مختبر الرصد الزلزالي في قسم علم الأرض، كلية العلوم، جامعة البصرة.
وهي تتألف من 12 جهاز رصد موزعة على محافظات دهوك والسليمانية وكركوك وديالى وبغداد والانبار وكربلاء والكوت وذي قار والمثنى وميسان والبصرة.
كما يوجد في العراق "معامل بناء زلزالي حديث ومعتمد في العراق" أعده متخصصون في علم الزلازل من جامعتي بغداد والبصرة بإشراف جامعة اركنساس الأميركية ومختبر لورنس ليفرمور الوطني في أميركا ومكتب بحثي في كندا.
استغرق إعداد المعامل 3 سنوات، وسُلم إلى وزارة النقل في 2017.
ويجب أن تبنى على أرقامه، المنشآت الحيوية الكبيرة مثل الجسور والسدود والمباني الشاهقة والمجمعات السكنية الحديثة.
بيد أنه من غير المعلوم ما إذا كان يتم الالتزام بالمعامل الزلزالي هذا، كما يقول الأستاذ في جامعة البصرة واثق عبد النبي.
ويعود عبد النبي ليوضح بشأن الهزات الأرضية والزلزال الذي ضرب تركيا، مبيناً أن النشاط البشري لا يمكن أن يتسبب في شيء كهذا.
ويقول إن "الهزات الأرضية التي حدثت مؤخراً في تركيا هي هزات طبيعية (تكتونية) حدثت نتيجة لحركة صدع الأناضول الشرقي. هذه الحركة هي نتيجة طبيعية لحركة الصفيحة الاناضولية باتجاه الغرب وحركة الصفيحة العربية باتجاه الشمال تقريباً، إذ أن صدع الأناضول هذا يمثل الحد الفاصل بين الصفيحتين المذكورتين".
ويشير تحليل ميكانيكية بؤرة الهزات الأرضية، كما يقول عبد النبي، إلى أن "الحركة من النوع الذي تزحف فيه الكتلتين الواقعتين على جانبي الفالق بموازاة بعضهما البعض لكن باتجاهين متعاكسين (حركة قصية أو مضربية كما يسميها أصحاب الاختصاص)".
ويوضح أن "النشاط البشري ليس له أي دور في توليد الهزات الأرضية هذه. لا يمكن لأي نشاط بشري (بناء السدود، استخراج النفط أو الغاز، حقن الماء في الآبار، استخراج المياه الجوفية، حفر المناجم) أن يكون قادراً على توليد هزة أرضية بمقدار يزيد عن ستة، والهزات التي حدثت تجاوزت هذا الرقم كثيراً".
ويضيف، أن العدد الكبير للهزات الأرضية خلال فترة زمنية قصيرة لا يحدث في الهزات الصناعية (البشرية) لأنها تعبر عن وجود طاقة كبيرة ناتجة من ضغوط عالية لا يمكن لأي نشاط بشري أن يوفرها. ف
ويبيّن أن عمق البؤر الزلزالية المسجلة لهزات تركيا يزيد عن 8 كم لجميع الهزات الأرضية، وهو عمق لا يمكن لتأثير النشاط البشري أن يصل اليه. الهزات الأرضية الناتجة من النشاط البشري تم تسجيلها في اقصى الحالات على عمق 4 كم ولأسباب متعقلة بإنتاج النفط والغاز.
وسرت خشية في العراق من تأثر السدود المائية التركية بالهزات الأرضية مع ما يحمله ذلك من مخاطر فيضانات قد تمتد إليه.
في هذا الإطار، يقول أستاذ علم الزلازل في جامعة البصرة، واثق عبد النبي، إن السدود وجميع المنشئات الكبيرة تصمم وفقاً لمعامل البناء الزلزالي لمنطقة البناء.
ويوضح أن هذا المعامل يعتمد على ما يسمى بخريطة المخاطر الزلزالية، و"هي بتبسيط شديد خريطة تبين معدل اهتزاز الأرض الذي يحدث عند اعلى هزة أرضية متوقعة في هذه المنطقة".
ملك تركيا، وفق عبد النبي "خريطة مخاطر زلزالية ممتازة ومعامل بناء زلزالي يراعي حدوث هزات أرضية بمقدار يفوق ما تم تخمينه، وذلك لضمان جودة البناء.".
ويقول "طبعاً يراعى في معامل البناء الزلزالي الجمع بين سلامة المنشأ وكلفة انشاءه. بسبب ذلك، فأن السدود في تركيا تحظى بدرجة امان عالية وهي تحت المراقبة الدورية، إذ ان كل سد له أجهزة رصد زلزالي خاصة به تحسب أصغر هزة أرضية يمكن أن تحدث".
ويخلص إلى أن "السدود في تركيا وفي أغلب دول العالم مصممة لتكون مقاومة للنشاط الزلزالي حتى العالي منه".
وهو يستبعد علمياً حدوث هزات أرضية أقوى من التي حدثت في أول يوم للنشاط الزلزالي.
ويقول إن الهزة الأولى في 6 شباط الجاري، بقوة 7.8 درجات على مقياس العزم الزلزالي، وليس ريختر، هي كانت الرئيسية وتحررت خلالها أغلب الطاقة المخزونة في الخصور على جانبي صدع الأناضول، وبالتالي فإن ما يتبعها من هزات هي توابع يجب أن تكون ذات مقدار أقل.