لم تسلم أهوار العراق من سلسلة التغيرات المناخية التي طالت المحافظات جميعها، وآخرها جفاف هور العودة في ميسان، وهو ما جعل مختصين يحذون من تغييرات كبيرة على مستوى السكان.
بدأ منذ عدة أعوام
يصف الناشط البيئي أحمد صالح من ميسان، الوضع في المحافظة خلال حديثه لـIQNEWS قائلاً: "لم يكن جفاف هور العودة وتأثر بقية المسطحات المائية الا نتاجاً طبيعيا لما بدأ عام 2017 من شحة مائية قاسية، توالت بعدها موجات الجفاف لتنهي النسبة المائية بهور العودة".
وأضاف أن هذا "أدى إلى ارتحال مزارعي المناطق المحيطة ومربي الجاموس فيها وصيادي الأسماك وأثر على الزراعة ورعي الحيوانات وتجارة القوارب وصناعة الحليب وعمل سيارات الحمل الناقلة لمنتجات مشتقات الحليب والمطاعم السياحية في المنطقة الفنادق أيضاً وحول المنطقة برمتها أى شبه صحراء حيث انتهى معه التواجد النباتي والسمكي والحيواني والحشري أيضا".
وتابع صالح: "الآن التحق هور العودة بهور السناف في ميسان الذي جف أيضاً وهور العظيم الذي يقع على الحدود العراقية الإيرانية وهور البطاط، الأمر الذي يبقي مصير النظم البيئية مهدداً وغير مستقر خاصة وأن وزارة الموارد في الحكومة السابقة تصرفت بشكل غير مهني تجاه الانفاق غير الممنهج مما أوصل الخزين المائي للوزارة الحالية إلى شبه منتهي وقد يكفي للخطة الزراعية ولكن على حساب النظم البيئية للأهوار والمسطحات المائية".
هور العودة
وأعلن مدير شعبة الأهوار في مديرية بيئة ميسان، خضر عباس سلمان، أن هور العودة التابع لقضاء الميمونة في المحافظة، قد جف بالكامل فيما انعدم مع نسبة المياه في المسطح المائي، التنوع الإحيائي عدا وجود القصب المصفرة وأفراد قليلة من أنواع الطيور.
وأشار في بيان، إلى "ازدياد معاناة سكان الأهوار ومربي الجاموس خاصة في القرى المحاذية لهور العودة، نتيجة للشح المائي في الأنهر الفرعية والرئيسية المغذية له".
وطالب الجهات المعنية، بـ"توفير الحصة المائية المخصصة لإنعاش الأهوار بصورة عاجلة، للحفاظ على مكوناتها الاحيائية".
أهوار ميسان
من جانبه، يقول المدير التنفيذي لمعهد نيسان للوعي الديمقراطي والخبير البيئي فلاح الاميري لـIQNEWS إن "أصل المشكلة يعود الى أن الأهوار في محافظة ميسان باتت لا تعتمد على مياه دجلة وخصوصا الاهوار الشرقية التي تتغذى على السيول القادمة من إيران وهي موسمية في فصل الربيع، ومع انتهاء هذا الموسم تبدأ المناسيب بالانخفاض".
وأضاف أن "جميع الأهوار الشرقية قد تقاوم التبخر ولا تتعرض للجفاف بشكل كامل حتى يصلها امداد السماء، أما الاهوار التي تقع غرب ميسان، ومنها هور العودة فقد جف تماماً بعدما انحسرت عنه مياه نهر العريض والذي تصله من نهر البتيرة في قضاء الميمونة والذي هو بالأصل عبارة عن نهر ملوث بسبب مصبات المياه المجاري الثقيلة بالإضافة الى التحويلات التي تمت عليه من قبل الأهالي العاملة في مجال الزراعة وتربية الحيوان، وبسبب البعد عن مناطق توفر السيول القادمة من ايران تعرض للجفاف التام وماتت فيه كل أنواع الحياة بشكل تمام".
ولفت إلى أن "هذ هو حال الأهوار في الجانب الغربي والتي ستبدأ بالجفاف شيئاً فشيء لعدم وجود كتلة مائية تدخل فيها".
تغيير ديموغرافي ونزاع
وأوضح الأميري "التأثير المباشر لجفاف المسطحات المائية يرتبط بشكل مباشر مع الهجرة والنزوح حيث يبدأ السكان في المناطق المجاورة للأنهار والأهوار التي تتعرض للجفاف إلى تغيير سكناهم إلى مناطق فيها وفرة مائية للاستمرار بمزاولة أعمالهم وهذا يتطلب أراضي متاحة ومياه وفيرة".
وتابع أن قسماً آخر من السكان "يتركون مهنهم ليتحولوا إلى مهن أخرى قد تكون غير مشابهة لمهنهم الاصلية أو في منطقة أخرى مما تتسبب في تغيير ديمغرافي للمنطقة أو تؤثر على الدخل الشهري للمواطن الأصلي للمنطقة لتنعكس إلى مشكلة اجتماعية أو نزاع".
وشدد على أن "تأثير الجفاف وقلة المسطحات المائية يحول المنطقة، بما فيها اطراف المنطقة الجنوبية من محافظة ميسان وذي قار والبصرة، في المستقبل الى مناطق لا تصلح للحياة وقد تتحول تدريجيا إلى مناطق قاحلة جرداء تخلو من معالمها التي تكونت عليها منذ الآلاف السنين لكون حضارتها بنيت على أساس وجود المياه والمسطحات المائية.
حلول داخلية وخارجية
ويقول المدير التنفيذي لمعهد نيسان للوعي الديمقراطي والخبير البيئي، إن "الحلول وإن توفرت إلا أنها متأخرة جداً، فالكثير من القضايا لم تعد تجد الحلول لها نفعاً وإن تحققت معجزة بتوفر كميات مياه يعالج المشكلات المرتبطة بالجفاف خاصة وأن عملية الانتقال السكاني من حياة الريف الى المركز ليست بالسهلة اطلاقاً".
وبيّن الأميري أن "التغير المناخي الحاصل في المنطقة يحتاج عقود لإعادته لوضعه الطبيعي فيما إذا قلنا أن المياه ستعود لنسبها الاصلية"، مضيفاً "نحتاج إلى خطة وطنية شاملة للموارد المائية وعناية مركزية خاصة من قبل الحكومة بالتفاوض السريع مع دول المنبع في تركيا وإيران ومعالجة المشكلة قبل الانهيار الذي بات على وشك التحقق".
وأردف أن "الاتفاق مع تركيا ليس وحده هو الحل وإنما معالجة المشاكل الداخلية للموارد المائية فتحن لازلنا نتعامل مع المشكلة بشكل مهمل جداً، ولازالت المياه الثقيلة تلقى في مصبات الأنهر العذبة وبكميات كبير جداً، ولازلنا نستخدم المياه العذبة في الصناعة الاستخراجية للنفط".
وختم قائلاً: "لا زلنا نهدر مليارات الأمتار المكعبة في الخليج دون وضع حد لهذا الهدر مع تسويف المشكلة وتسيسها وارتباطها بالقرار السياسي، كما نفتقد للتقنيات الحديثة في الزراعة ومعالجة وتدوير المياه، ونحتاج إلى فتح الاستثمار في قطاع المياه في هذا الجانب ومن بعدها يمكن أن نتجه للتعامل مع المشكلة خارجياً".