سلط تقرير صحفي أورده موقع "إندبندنت عربية" الضوء، الأربعاء (16 كانون الأول 2020)، على سلسلة الاستهدافات التي طالت مؤخراً محال بيع الخمور في بغداد، مشيراً إلى أن الأمر يندرج ضمن "السعي لتغيير وجه العاصمة الليبرالي" والتنافس بين تجار "مسلمين ومسيحيين"، كما تضمن التقرير تبرؤ قيادات في فصائل مسلحة من هذه الأعمال مع اتهام ضباط في الأجهزة الأمنية بـ"ابتزاز" أصحاب تلك المحال.
وقال التقرير، الذي اطلع عليه موقع IQNEWS، إن "أصحاب محلات المشروبات الكحولية في بغداد شعروا بالخوف والقلق بعد سلسلة هجمات جديدة تعرضوا لها في الآونة الأخيرة من قبل جماعات تتبنى خطاباً دينياً متشدداً"، مبيناً أن "هذه المحال ُستهدف تحت عنوان (النهي عن المنكر). لكن قد تكون هناك أسباب أخرى للهجمات".
وبحسب التقرير، أشار تجار إلى "المنافسة والابتزاز"، كسبب لهذه الاستهدافات، بينما عبّر آخرون عن مخاوف من أن "يكون الغرض الرئيس تغيير واقع بغداد الليبرالي تاريخياً، وكذلك استهداف الوجود المسيحي في مدينة لطالما عُرفت بانفتاحها واختلاطها".
ففي غضون الشهرين الماضيين، استهدفت جماعات مجهولة نحو 14 محلاً تجارياً لبيع المشروبات الكحولية بينها ثلاثة تفجيرات، الإثنين الماضي.
وتبنت جماعات مسلحة أعلنت عن نفسها مؤخراً، هذه الهجمات التي باتت تنشر تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي وتتباهى بها، مؤكدة أنها تقوم بتطبيق "الشريعة الإسلامية".
وتعيد هذه الهجمات، يضيف "إندبندنت عربية"، "تذكير سكان المدينة بالتفجيرات التي كانت تشهدها بغداد يومياً ولسنوات قبل "الانتصار" على تنظيم داعش المتطرف في أواخر2017".
وقال أحد رجال الأعمال لوكالة الصحافة الفرنسية، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، وفق ما نقل التقرير، إن "تجار المشروبات الكحولية يتعرضون إلى حرب ابتزاز من نوع خاص لوقف بيع تلك المشروبات".
وأضاف "تعرضنا إلى شتى أعمال التهريب والقتل والاختطاف واستهداف الشاحنات خلال السنوات الماضية، لكننا ما نزال نقاوم للحفاظ على وجه بغداد الليبرالي".
"صمت حكومي"
ويشير التقرير، إلى أن "الحكومة العراقية لا تصدر تعليقاً على هذه الهجمات وتلتزم الصمت في أغلب الأحيان، لكن بعد تصاعد الموجة الأخيرة وظهور جماعات باتت تصدر تهديدات بشكل علني، نُشرت قوات من الجيش والشرطة في محيط هذه المحال لحمايتها، إضافة إلى غلق الملاهي الليلية لإبعادها عن أي أعمال من هذه المجموعات"
وتعود أغلب هذه المحال، بحسب التقرير، إلى "الأقليات المسيحية والإيزيدية التي باتت أعدادها تنخفض بشكل ملفت نتيجة الهجرة خلال 17 سنة، منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين وبدء تصاعد سطوة الأحزاب الدينية والمتشددة".
"حملات أمنية"
من جهة أخرى، أعلنت وكالة الاستخبارات عملية أمنية لإغلاق القاعات والنوادي الليلية والمحلات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية غير المجازة، أسفرت عن إغلاق 91 من هذه الأماكن في مناطق متفرقة من بغداد.
وتمنع السلطات المحلية تجارة الخمور في مناطق جنوب العراق وتصادر المشروبات الكحولية عند نقاط التفتيش "مما سمح بتزايد استهلاك المخدرات، بحسب مصادر مسؤولة محلية في عدد من هذه المناطق"، يقول التقرير.
وينقل موقع "إندبندنت عربية"، عن أصحاب محال إيزيديون ومسيحيون قولهم إن "بعض التجار المسلمين دخلوا على خط المنافسة في هذا العمل المصرح به رسمياً فقط لتلك الأقليتين بشكل قانوني، لكن محالهم لم تُستهدف في الآونة الأخيرة، مما يوحي بأن المنافسة قد تكون أحد أسباب الهجمات".
ويقول كثير من أصحاب المصالح، حسب التقرير، إنهم "يتعرضون إلى ابتزاز من جماعات مسلحة مقابل الحماية في المدينة التي تتنافس فيها الجماعات المسلحة، بينما لا تزال تبحث عن هوية موحدة منذ الغزو".
كما ينقل التقرير عن "مسؤول مقرب من هذه الجماعات"، قوله إن تعدد الفصائل المسلحة وتفرعاتها هو "السبب وراء الهجمات وعمليات الابتزاز".
من جهته، أوضح قيادي رفيع المستوى في إحدى الفصائل المسلحة، بحسب "إندبندنت عربية"، أن قيادات هذه الجماعات "لا تتدخل في هذه الأعمال إطلاقاً، إنما شخصيات صغيرة تدعي الانتساب لبعض الفصائل تتصرف بشكل فردي".
واتهم هذا القيادي، وفق التقرير، "بعض الضباط في القوات الأمنية بالوقوف وراء الابتزاز وحماية هذه المصالح، مقابل إرغامها على الدفع بشكل شهري مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات".
يرى "أندريه" وهو صاحب مخزن لبيع الكحول وسط بغداد، أن "المستهدف الفعلي هو الأقليات في بغداد، حيث تنتشر في العديد من الأحياء التاريخية الكنائس إلى جانب المساجد".
وتعرض مخزنه إلى تفجير أسفر عن خسارة مئات آلاف من الدولارات بواسطة شخصين يستقلان دراجة نارية
"إنهم يستهدفوننا"
وينقل "إندبندنت عربية"، عن "أندريه"، وهو يتابع من على الشاشة تسجيلاً مصوراً لمشهد تفجير مخزنه "هذه الجماعات تنوي تهجير ما تبقى من المسيحيين في البلد. إنهم يستهدفوننا". ووجه اللوم إلى القوات الأمنية، قائلاً إن "الدورية التي كانت تقوم بالحراسة انسحبت قبل الهجوم بساعات "في حركة غريبة. كما أن الدراجة النارية وصلت إلى المنطقة على الرغم من حظر حركة الدراجات فيها"..
وتابع "السلطات تتغاضى عن المنفذين. هم معروفون وينشرون نشاطاتهم على (فيسبوك)، فلماذا لا تقوم الحكومة بالقبض عليهم؟ لقد زودناهم حتى برقم السيارة التي قامت بتصوير التفجير وأعطيناه إلى السلطات لكنها لم تتخذ أي إجراء"، حسبما ينقل الموقع.
ويختم "إندبندنت عربية"، تقريره بالقول: "غالباً ما تتجنب سلطات بغداد الأمنية المنهكة بعد سنوات من التفجيرات والصراعات المذهبية، الاحتكاك مع مسلحي الفصائل المدججين بالأسلحة. وليس أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية وحدهم من يخشون التفجيرات".