شكلت خطوة السلطات العراقية الأخيرة التي قضت بتخفيض قيمة الدينار العراقي، أمام الدولار الأميركي، أعباء وتحديات جديدة على العائلات العراقية التي اضطر كثير منها إلى التخلي عن عاداته.
وبلغت قيمة الدولار الأميركي بعد لجوء الحكومة العراقية إلى تخفيض الدينار، في محاولة لانتشال البلاد من الأزمتين المالية والاقتصادية، 1450 ديناراً، بعدما كان مستقرا عند عتبة 1200 دينار طوال السنوات الماضية.
وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة قاربت ربع قيمة مدخرات العراقيين من الأموال، فضلاً عن ربع قيمة رواتبهم الشهرية.
ووجد الموظفون وذوو الدخل المحدود أنفسهم أمام تحديات بعضها يذكّرهم بفترة الحصار الاقتصادي عقب حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) على مستوى العادات المعيشية والتدابير التي تتخذها العائلة.
تأجيل خطط زواج وإلغاء سفرات سياحة مروراً بوقف مخططات تأهيل وتأثيث المنازل، وصولاً إلى ما طرأ على الملابس ونوعية الطعام، والاستغناء عن عاملات منزليات، كلها باتت محور الجدال العراقي، داخل العائلة الواحدة.
ويقول محمد سلام، وهو من سكان بغداد، إنّ أسواق البالة (الملابس والأحذية المستعملة غالباً) "ستعود للانتعاش، كما ستعود جمعيات البيع بالتقسيط، وصولاً إلى إعادة تدوير كثير من الأغراض المنزلية، والاستغناء عن شراء أخرى، وكلّها تذكّر بأيام الحصار الاقتصادي".
ويضيف سلام لصحيفة العربي الجديد، "راتبي 620 ألف دينار وكان يعادل سابقاً 516 دولاراً، لكنّه اليوم نحو 425 دولاراً وبما أن كلّ شيء نستورده من الخارج حتى الطماطم والخيار، فهذا يعني أنّ الأسعار تزيد والراتب قصمت الحكومة ظهره وظهر أهله" وفقاً لتعبيره.
وتعيش أم مصطفى أوضاعاً معيشية صعبة، بعدما جمعت مبلغاً من المال لبناء غرفة في باحة المنزل لزواج أحد أبنائها الثلاثة، إذ لم تتمكن من إتمام البناء وملحقات الغرفة من تجهيزات صحية بالكامل، بعد هبوط العملة العراقية وارتفاع الأسعار بالتالي.
وتقول "طوال أكثر من عام، جمعت المبلغ لبناء هذه الغرفة، إذ لا يكفي منزلنا الصغير لزواج أيّ من أبنائي فيه، وبعدما بدأت بالبناء أخذت الأسعار ترتفع ونفد ما لديّ من مال، قبل أن أكمل سقف الغرفة، فتأجل زواج ابني البكر، الذي يعمل سائق توك توك لإعالتنا. قرار وقف البناء أثّر في الوضع النفسي لابني الذي كان قد بذل قصارى جهده ليجمع معي مبلغ البناء الذي كان من المفترض أن يبقى جزء منه لشراء مستلزمات الزواج".
أما عبد السلام جبار، وهو موظف متقاعد، فيقول "أعيش على راتب تقاعدي البالغ 237 ألف دينار، وهكذا تضاءل من نحو 200 دولار، إلى 163 دولاراً. فمع انخفاض قيمة الدينار وارتفاع أسعار الأدوية اضطررت لعدم شراء بعض الأدوية التي أحتاجها ومنها أدوية القلب. كذلك، لم أتمكن من دفع بعض الديون للبقال والجزار، ولا أعرف كيف سأتمكن من دفعها متراكمة في الشهر المقبل".
ويضيف جبار لصحيفة العربي الجديد "استدنت كثيراً من المال قبل ثلاثة أشهر لإجراء عملية في القلب، وكنت أسدد بعض الديون من التقاعد لأنّي أنفق على زوجتي المقعدة أيضاً، وهي التي تحتاج إلى كثير من المصاريف والعلاج، نتيجة إصابتها بجلطات دماغية".
ويتابع "صعود الدولار كان مفاجئاً وصادماً لأنّ الكثير من الأسعار في الأسواق العراقية ارتفعت، وهذا يعود بالضرر علينا، إذ ليس لدينا دخل آخر غير راتبنا التقاعدي، نتمنى أن يخفف العبء عنا بدلاً من زيادة معاناتنا، أو على الأقل صرف الأدوية مجاناً أو بسعر رمزي، للتخفيف من النفقات في ظلّ الأزمة الحالية".
وتعتمد الأسواق المحلية في توفير احتياجاتها على نحو 90 في المائة من السلع المستوردة من مختلف دول الجوار والعالم، ما يعني أنّ الأسعار سترتفع نحو 30 في المائة، بحسب التجار. في المقابل، ليس هناك دخل إضافي للموظفين أو حتى العائلات محدودة الدخل؛ وهو ما يزيد من العائلات الفقيرة.
وبحسب إحصاءات رسمية لوزارة التخطيط العراقية، فإنّ مستويات الفقر على صعيد المحافظات ترتفع في المناطق الجنوبية بنسبة تصل إلى ما بين 30 و35 في المائة من السكان، وفي محافظات الوسط تقترب من 20 في المائة، وفي بغداد تصل إلى نحو 13 في المائة، وفي إقليم كردستان العراق تصل إلى نحو 12 في المائة.
وجاء قرار تخفيض قيمة العملة رسمياً، ليزيد من نسب الفقر المرتفعة في الأصل.
وكان المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، قد أعلن في كانون الأول الماضي، أنّ أكثر من 12 مليون عراقي هم تحت خط الفقر، مشيراً إلى أنّ نسبة الفقر في البلاد بلغت نحو 30 في المائة خلال عام 2020.
واضطر العراق إلى الاقتراض من احتياطات البنك المركزي، بالدولار، لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار شهرياً تمثل رواتب موظفي القطاع العام ورواتب التقاعد.
ويقرّ المستشار السابق في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية علي العبيدي، بآثار اجتماعية كبيرة على العائلات العراقية بسبب قرار تخفيض العملة الوطنية، وهو ما غفلت عنه الحكومة.
ويضيف العبيدي أنّ "هناك عائلات دخلت فعلياً في حالة التقشف، وأخرى ألغت مخططات زواج أو سفر أو تأهيل منازلها أو دراسة أبنائها وغيرها، وحتى على مستوى الطعام والشراب والرعاية الصحية تغير الواقع، وعلى الحكومة أن تراعي الأمر في كفالة ذوي الدخل المحدود، وعدم تركهم عرضة لتغييرات اجتماعية قاسية فرضها عليهم تراجع قيمة الدينار".
ويتابع للعربي الجديد أنّ "عادات البذخ وكثيرا من الجوانب التي كانت تعتبر ترفيهاً أو كماليات في العائلة قد تتلاشى تدريجياً بعدما ضغطت الأزمة المالية على كلّ بيت عراقي".