ما أن تُنهي دوامها في روضة الأطفال حتى تتوجه مسرعة إلى البيت لأخذ أدواتها ومعداتها الخاصة ثم تتوجه إلى العمل مباشرة لإكمال ما تبقى لديها من أعمال متعلقة بمشروعها الخاص الذي تكفلت به وحدها، وتكاد أن تكون الأولى في الناصرية بالعمل في القطاع الخاص بهذا الجانب.
هناء العكيلي (39 عاما) أم لثلاثة أطفال تعيش في الناصرية، وهي متخرجة من معهد إعداد المعلمين، وتعمل بصفة معلمة في روضة أطفال أهلية وبنفس الوقت تعمل في مجال الديكور والرسومات والأصباغ حيث تمكنت من طلاء العديد من المنازل والمدارس وقامت برسم جدرانها وصبغها بشكل احترافي.
بدأت العكيلي مسيرتها كرسامة، لكنها وجدت نفسها أخيرا تعمل بمجال الصباغة والديكور والرسم بعدما اكتشفت أن التعيين في المجال الحكومي سيأخذ الكثير من وقتها فلجأت إلى القطاع الخاص لترسم خطا كبيرا في حياتها والدخول في سوق العمل والتعامل مع أصحاب المحال التجارية بشكل مستمر، وهي بمثابة أول امرأة تعمل بمجال الديكور والرسم والأصباغ في المدارس والبيوتات ورياض الأطفال.
وتقول العكيلي خلال حديثها لموقع IQ nwes"اكتشفت موهبتي بشكل واضح في الرسم منذ العام 2008 وهي موهبة قديمة حينما كنت طفلة أعشق الرسم، وحينما كبرت بدأت أطور مهاراتي فيه لأعمال في هذا المجال، كما تعلمت الصباغة والديكور والفوم والفلين وبعض الوسائل الأخرى المستخدممة بعمل الديكورات المنزلية الحديثة".
ولاحقا، تضيف العكيلي، "بدأت اطلع على دروس في فن الصباغة والرسم على يوتيوب مما عزز موهبتي أكثر، وتمكنت من التوفيق بين العائلة والعمل بروضة أهلية والمباشرة بعمل رسوماتي، حيث تمكنت من إنجاز 10 منازل وهي لأقربائي، كما تمكنت من إنجاز أعمال كثيرة لمدارس ورياض أطفال في الناصرية".
مواقف محرجة
وتوضح هناء أنها تعمل وحدها إذا كان العمل خفيفا "أما إذا كان العمل في بنايات كبيرة فإن زوجي يقدم المساعدة، أما المشاريع أو الأعمال التي أحصل عليها فهي بشكل حصري مدارس ورياض أطفال ومعاهد، فكوني إمرأة أتحاشى البيوت باستثناء بيوت أقاربي التي توليت العمل".
مصاعب وانتقادات
"وين اكو بنت تصبغ، هاي انتِ جبار مو بنت"، وكذلك "ايدك مو حلوة صايرة تشبه ايد رجل"، تسمع هناء العكيلي مثل هذه العبارات التي يستنكر أصحابها أو يبدون استغرابهم إزاء اتخاذ امرأة للصباغة كمهنة لأنها برأيهم تقتصر على الرجال، فضلاً عن الانتقادات الأخرى التي كثيراً ما تضعها بمواقف محرجة، فضلاً عن سقوطها أحياناً من أماكن عالية أثناء العمل وتعرضها لإصابات، لكن "كل هذا لم يثنني من المواصلة والاستمرار في العمل.
وإضافة إلى عملها في مجال الأصباغ والرسم على الجدران، تقدم هناء دروساً في التأهيل الاقتصادي مجاناً للنساء المتعففات والأرامل وحتى المتمكنات، لزيادة ثقافتهن في هذا المجال.
وتشيد زميلات هناء من معلمات روضة الأطفال، بمثابرتها والروح الكبيرة التي تحملها في مجال العمل والجهود التي تقدمها بدءاً من متابعة الأطفال وما يحتاجه هذا الأمر من من جهدٍ كبير ثم عملها خارج أوقات الدوام الرسمي والقيام بدورها كأم وواجباتها إزاء العائلة والتوفيق بين ذلك كله.
حقوق ضائعة
وتشكل النظرة السائدة والصورة النمطية للمرأة في محافظة ذي قار، واحدة من أكبر العوائق الإجتماعية التي تواجه النساء في المحافظة للنزول في الأسواق والعمل بالقطاع الخاص بشكل طبيعي مثلما يحدث في مدن ومحافظات عدة، حيث تبقى ثمة مشكلة اجتماعية قائمة للمرأة التي يكون لها حضورا في الأسواق.
وفي هذا الإطار، تقول الباحثة الاجتماعية فاطمة العبادي خلال حديثها لموقع IQ NWES، إنه "على الرغم من التطور الحاصل ووسائل التكنولوجيا التي فتحت أبوابها أمام العالم لكن تبقى هناك قيودا اجتماعية كبيرة على المرأة مثل العمل في الأسواق وفي المراكز والمنتديات الشبابية أو الدخول في القطاع الخاص او افتتاح متاجر نسائية خاصة".
هذه القيود، كما تقول العبادي، "لا تزال مستمرة وتتسع كل يوم، وبالتالي هناك حاجة الى اقامة العديد من برامج التأهيل التي تستهدف المرأة في محافظة ذي قار وكذلك تشجيعها في العمل من خلال التشريعات القانونية التي تكفل وجودها وحقها في العمل وإنصافها، وايضا فتح مراكز تأهيل خاصة بالنساء المعنفات والمضطهدات وإزالة الصورة النمطية عنها من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح".
وتضيف، خلال "الفترات الماضية، لم ينجح مجلس المحافظة في تشريع قوانين تتعلق بالمرأة حيث كانت لجنة المرأة شبه ميتة، وكانت هناك أنشطة بسيطة تتعلق بتمكين المرأة بدعم من منظمات دولية لكن هذه المنظمات رحلت عن المحافظة، ولا تزال النظرة الاجتماعية ذاتها سائدة تجاه النساء وحقهن في التعليم والعمل".
وبحسب تقرير للبنك الدولي في العام 2020، فإن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تعتبر منخفضة وهي تشكل أقل من 15%، وهذه النسب، كما يوضح تقرير البنك، تعد من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم.
من جانبها، تشير الناشطة ورئيسة منظمة "أور للمرأة والطفل" منى الهلالي التي ساهمت العام الماضي في عقد اجتماعات وندوات تشاركية مع النساء اللواتي شاركن في حراك تشرين بمحافظة ذي قار، لتسيلط الضوء على واقع المرأة في المحافظة ومدى تأثيرها في المجتمع، إلى أن الاحتجاجات الشعبية "ألغت النظرة السائدة تجاه المرأة".
وترى الهلالي أن "ما وجدناه من حجم واسع لمشاركة النساء في الاحتجاجات، يؤهل الفتيات في المستقبل لاقتحام سوق العمل وأن تمتلك النساء قوة اقتصادية بعيدا عن هيمنة الرجل".
وبحسب إحصائيات تعود لسنتين، يوجد في ذي قار أكثر من 200 الف خريج وعاطل عن العمل، وبرقم تقريبي، هناك أكثر من 90 الف خريجة وعاطلة عن العمل في المحافظة، قبل أن تزداد أعداد الخريجات العاطلات عن العمل بشكل كبير بعد الاضطرابات التي رافقت الاحتجاجات الشعبية وأثرت على الحياة العامة في المدينة ثم تفشي جائحة كورونا.